تقول الفنانة الامازيغية المغربية فاطمة تبعمرانت “جدتي مثلا من أسرة سيدي الظاهر الإفراني، العالم الذي تتلمذ على يده المختار السوسي، وعلى يده درست جدتي القرآن الكريم وعلوم الدينة“.

وأضافتأتذكر أن جدتي ورغم قضائها سنوات في محراب العلم كانت ترتدي أزياء محتشمة تحترم كرامتها وتبرز في الوقت نفسها جمالها، عكس الحجاب والبرقع وباقي الملابس المستوردة من الشرق التي تهدد هذه القيم والعادات الأمازيغية الجميلة“.

وتابعتالحجاب عند الأمازيغ يعني جلوس المرأة في المنزل وليس كفنا أسودا يحد من حرية المرأة ومن جمالها، وكلي ثقة بأن الإسلام الوسطي الموجود بالمغرب وفي باقي الدول المغاربية سينتصر على هذا الغلو وعلى هذه الأفكار والممارسات الوافدة من الخارج“.

في هذا الحوار تتحدث فاطمة تبعمرانت واسمها الحقيقي فاطمة شاهو، عن الانتقادات التي توجه إليها من حين لآخر بسبب تناولها مسألة الغلو في الدين وانتقادها للتطرف وتهميش المرأة.

فاطمة تبعمرانت واحدة من أيقونات الفن الأمازيغي بالمغرب، إذ تجر وراءها تجربة غنية في فن الروايس تمتد لأكثر من 40 عاما، كرستها للدفاع عن الهوية والثقافة الأمازيغيتين،  ستتحدث كذلك عن تجربتها في المجال السياسي، كأول نائبة تطرح سؤالا باللغة الأمازيغية بالبرلمان المغربي عام 2012.

نص الحوار:

رغم أن لم تلج المدرسة قط، إلا أنك كنت أولى الفنانين الأمازيغ بالمغرب الذين تناولوا مسألة الغلو في الدين وخطر بعض الأفكار الدينية المستوردة على المغاربة كالخمار والبرقع، ما السر في هذا التوجه؟

العباية أو الخمار أو بعض الأزياء المستورة من المشرق اعتبرها ملابس غير صالحة للحياة اليومية وتتعارض مع ثقافتنا ومع هويتنا كمغاربة ومغاربيين، إنها ملابس قبيحة تتعارض حتى مع المنطق الإلهي الذي أراد تكريم الإنسان.

هي إذن أزياء غريبة عن المجتمع المغربي وهي أزياء قد يلجأ إليها بعض المتطرفين للقيام ببعض الأعمال المتطرفة ولنا في تجربة الجزائر سنوات التسعينات خير مثال على ذلك، زد على ذلك أن الأمازيغ أناس منفتحون على العالم ويعتزون بإظهار هويتهم وغنى ثقافتهم، وهنا استحضر المثل الأمازيغي الذي يقول إن الراقص لا يغطي ووجه.

لذلك تناولت هذه المسألة في عدد من الأغاني التي أصدرتها للتوعية بخطورة هذه الأزياء المستوردة على قيمنا كمغاربة أمازيغ.

في السياق نفسه، قلت في إحدى أغانيك، إن “خطاب الجاهلية” يريد أن يلبس المرأة “كيسا” ويريد أن يسكتها بينما دافع الإسلام عن كرامتها، هل فعلا تعاني المرأة الأمازيغية والمغربية بسبب سوء فهم الدين؟

فعلا المرأة تعاني بسبب سوء فهم الدين، جدتي مثلا من أسرة سيدي الظاهر الإفراني، العالم الذي تتلمذ على يده المختار السوسي، وعلى يده درست جدتي القرآن الكريم وعلوم الدين.

أتذكر أن جدتي ورغم قضائها سنوات في محراب العلم كانت ترتدي أزياء محتشمة تحترم كرامتها وتبرز في الوقت نفسها جمالها، عكس الحجاب والبرقع وباقي الملابس المستوردة من الشرق التي تهدد هذه القيم والعادات الأمازيغية الجميلة.

الحجاب عند الأمازيغ يعني جلوس المرأة في المنزل وليس كفنا أسودا يحد من حرية المرأة ومن جمالها، وكلي ثقة بأن الإسلام الوسطي الموجود بالمغرب وفي باقي الدول المغاربية سينتصر على هذا الغلو وعلى هذه الأفكار والممارسات الوافدة من الخارج.

هل هذا سبب الانتقادات التي تتعرضي لها من حين لآخر من قبل بعض الدعاة بمنطقة سوس، وهل أثرت هذه الانتقادات في الفنانة فاطمة تبعمرانت؟

أبدا أنا إنسانة مؤمنة بالله ولا أخشى غيره، وهذه الانتقادات لا تزيدني إلا قوة وإصرارا على الدفاع على حرية المرأة وعلى الأمازيغية بشكل عام.

هي انتقادات تبقى محدودة وصادرة من تيار ديني معين، مقارنة بدعم كبير أتلقاه بشكل دائم من المدارس العتيقة بسوس، إذ يعبر الكثير من فقهائها عن تقديرهم لفني ويتواصلون معي بشكل دائم.

فني موهبة من الله وسأسخره دوما للدفاع عن المرأة وعن هويتي الأمازيغية، ومن يعتقد أن الفن والغناء حرام، اعتبره من المجانين وأدعوه إلى التمعن في صوت وزقزقة العصافير، تلك الموسيقى الهادئة التي نحبها جميعا هي إشارة على أن الله يحب الجمال. 

خلقت جدلا بالمغرب عام 2012 وخلدت اسمك في تاريخ البرلمان المغربي كأول نائبة تطرح سؤالا باللغة الأمازيغية، ما شعورك حينها، ولماذا اخترت حضور كل الجلسات مرتدية سلهاما به حرف تيفيناغ؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال أريد فقط أن أشير إلى أن سبب ولوجي إلى السياسة هو الضغط من أجل ترسيم وصيانة المكاسب التي حققها الأمازيغية وهو مطلب رفعته في صفوف الحركة الأمازيغية منذ عام 1991.

وبعد خطاب جلالة الملك بأجدير عام 2001 الذي شكل المنطلق الرئيسي نحو دسترة الأمازيغية سنة 2011، قررت الترشح للبرلمان بهدف واحد هو مواكبة الأمازيغية بعد الدسترة والعمل من داخل المؤسسة التشريعية لإزالة كل العراقيل التي قد تعترضها بعد الدسترة.

طرحت ذلك السؤال بالأمازيغية يوم 30 أبريل عام 2012، وقبل ذلك السؤال تلقيت اتصالات من عدد من السياسيين والمسؤولين الذين طلبوا مني التراجع عن طرح سؤالي بالأمازيغية حتى أنه أرسلوا لي من يجدد المطلب نفسه لحظات قبل طرح السؤال وكان جوابي دائما لن أتراجع عن السؤال وسيكون باللغة الأمازيغية.

 طرحت ذلك السؤال وأعقبه جدل في البلاد، كما تم منع الأسئلة بالأمازيغية في الجلسة المقبلة بالبرلمان.

هذا الوضع دفعني إلى جانب 16 نائبا برلمانيا إلى تأسيس “المجموعة البرلمانية من أجل ترسيم الأمازيغية” بغاية الترافع عن الأمازيغية داخل البرلمان غير أن هذه المجموعة أُغلقت كل جلسات البرلمان أمامها ما دفعننا إلى عقد اجتماعاتها داخل مطعم البرلمان.

أما اختياري الظهور بسلهام به حرف تيفيناغ فالغاية هي إثارة الانتباه إلى هذا الحرف، واخترت أن يكون لونه أبيضا حتى أظهر به في الجلسات الافتتاحية التي يحضرها الملك والتي تشترط على النواب ارتداء الجلباب الأبيض، وسبق للكثيرين أن حذروني وقالوا لي إنك بهذا السلهام لن يسمح لك بدخول الجلسة التي يفتتحها الملك غير أنني حضرتها دون منع كما ارتديت السلهام نفسه في حفل الولاء.

وماذا عن الأمازيغية وعن حال الفنان الأمازيغي بعد الدسترة؟

جلالة الملك ترك بصماته في المسألة الأمازيغية منذ توليه الحكم ويسهر شخصيا على النهوض بالأمازيغية عبر العديد من المبادرات التي اتخذها كإنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ودسترة الأمازيغية عام 2011  وأعتقد أنه لو اتخذ المغرب هذه المبادرات منذ الاستقلال لتغيرت الكثير من الأمور.

بعد الدسترة سُجلت العديد من التراجعات خصوصا في التعليم والإعلام ورغم ذلك فالملك متشبث بالأمازيغية ويدافع عنها بل ويحميها، ولا أرى أي مصلحة للدول المغاربية في تهميش الأمازيغية والأمازيغ.

أما حال الفنان الأمازيغي فأعتقد أن الفن بشكل عام يواجه العديد من التحديات في الوقت الراهن،  بعد تراجع القصيدة وظهور أغان تجارية قصيرة وتراجع عمق المواضيع التي يطرحها الفنان، زد على ذلك أن الفنان بشكل عام يعاني ظروفا اجتماعية باختلاف اللغة التي يغني بها.

حزنت عن اغتيال الفنان الأمازيغي الجزائري معطوب لوناس وخصصت أغنية ” إكس وزلاي إفيلت” لرثائه، وحققت الأغنية ناجحا كبيرا بالمغرب، هل هناك علاقة مباشرة بينكما؟

نعم تجمعني بالفنان الراحل معطوب لوناس علاقة أخوية وصداقة قوية يصعب وصفها، وأقول دائما إن الراحل سيظل فنانا استثنائيا في المنطقة لنضاله المستميت من أجل الأمازيغية ومن أجل تامازغا.

يوم اغتياله، وعلى غير عادتي عندما استيقظ من النوم،  أشعلت التلفزيون، فصدمت لما سمعت خبر اغتياله، كان فنانا يحب بلاده وسبق له أن قال لي ذات يوم إنه يحس بدنو أجله، قال لي بالحرف أحب بلدي وأحس بأن أجلي قريب.

أتذكر أيضا أنه اعتقل عام 1994 وتزامن ذلك مع حلول عيد الأضحى ولم احتفل بالعيد ذلك العام، فكيف لي أن أفرح ومعطوب لوناس معتقل.

في السياق نفسه، تدافعين في أغانيك عن “تامازغا” (بلاد الأمازيغ)، هل هناك تعاون مع فنانين أمازيغ من باقي الدول المغاربية؟

تجمعني علاقات صداقة مع عدد من الفنانين بمنطقة القبائل كما تجمعني علاقات بفنانين أمازيغ من ليبيا كالفنانة نادين شنيب التي أشرفت شخصيا على ألبومها الأول التي سجلته بالمغرب، كما تجمعني علاقات أيضا بمجموعة تداوت بالنيجر وبمجموعة تارتيت المالية.

أعتقد أن المغرب صار نموذجا للدول المغاربية في الشأن الأمازيغي وأتمنى أن يوسع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بحوثه لتشمل باقي الدول المغاربية وأتمنى أيضا أن تصير اللغة الأمازيغية لغة رسمية في باقي الدول المغاربية.

المصدر: أصوات مغاربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *