بعد الحادثة مباشرة، أعطى قائد الفرقة أمره بالانسحاب الفوري من ذلك الموقع. فقد كان يعلم أن المجند الموريتاني، الذي أصيب وسمحوا له بالفرار، لن يتأخر في الوصول إلى معسكره. وستأتي القوات الفرنسية قريبا لمهاجمتنا. (سلمة).

في هذه الحلقات المثيرة جدا، والتي أعدها مصطفى سلمة ولد سيدي مولود، الناشط الصحراوي الحقوقي والسياسي المبعد من مخيمات تيندوف إلى موريتانيا، يروي والده، المجاهد سلمة سيدي مولود، كيف التحق بأول كتيبة لجيش تحرير الجنوب، قطعت عمق الصحراء بهدف إسقاط القاعدة الجوية الفرنسية في مدينة “أطار” شمال موريتانيا… كانت بقيادة محمد بنحمو المسفيوي، قبل أن يخلفه علال لخميسي، ومعه عْلي المسفيوي نائبا له.

انضم إليهم سلمة سيدي مولود، وسار بهم، في فبراير 1957، دليلا عبر أودية الساقية الحمراء إلى ضواحي مدينة السمارة، ومنها سيكون الانطلاق نحو الهدف، في ظروف طبيعية وعرة، ما بين صحارى قاحلة، وجبال ومغارات وأحجار، وجِمال وبنادق ورشاشات…

وفي هذه الطريق، ستلاقي الكتيبة الأهوال، جنود فرنسيون ومجندون موريتانيون وطائرات وقنابلها الجحيمية، إنها “القيامة الآن” (Apocalypse Now)، مع فارق: أن المخرج الأمريكي فرانسيس فورد كوبولا يرويها في فيلم، والمجاهد الصحراوي سلمة سيدي مولود يرويها في معركة حياة أو موت دارت رحاها على أرض الواقع…

 أعدها للنشر . أحمد حمدان

الاشتباك الأول ومقتل جنديين فرنسيين في إطلاق نار كثيف

 

صباح 14 فبراير 1957، وقف جنديان فرنسيان من معسكر “عكي” على قطيعِ جمالٍ بكامل أحماله يعود لإحدى فرق جيش التحرير كان مُخبَّأ بين جبال قرب بئر “نوار”، الذي ورداه ذلك الصباح رفقة مجندين موريتانيين.

يحكي والدي أن الجنديين في طريق عودتهما نحو رفيقيهما عند البئر، أطلقا رصاصات صوب الجبل. رد عليها عناصر من فرقتنا بوابل من الرصاص أرداهما قتيلين. أحدهما وجدنا أنه أصيب بسبع رصاصات، والآخر بثمانية.

لما سمع المجندان الموريتانيان اللذان كانا يسقيان عند البئر أصوات إطلاق نار كثيف، بادر أحدهما بالفرار، فأصابه أحد المقاومين بطلقة على الذراع.

 وواصل الفرار بعد أن أمر القائد بتركه ينجو لأنه مسلم. أما صاحبه فقفز في البئر وتُرك هو الآخر.

بعد الحادثة مباشرة، أعطى قائد الفرقة أمره بالانسحاب الفوري من ذلك الموقع. فقد كان يعلم أن المجند الموريتاني، الذي أصيب وسمحوا له بالفرار، لن يتأخر في الوصول إلى معسكره. وستأتي القوات الفرنسية قريبا لمهاجمتنا.

 في ظرف ساعتين إلى ثلاث ساعات، وكما توقع القائد، ظهرت “اصْفيرات” (اسم الطائرات الحربية)، وبدأت تقنبل منطقة البئر.

تبعها تقدم قوة برية من معسكر “عكي”، الذي تركناه خلفنا البارحة، نصبت مدفعيتها من مكان قريب للبئر، وبدأت في قصف الجبل الذي يتوقعون أننا نختبيء فيه.

وكانت فرقتنا، التي بدأت الاشتباك، قد انسحبت جنوبا إلى موقع أكثر تحصينا من جبال “أدار”، اختبأوا فيه. ب

ينما بقية الفرق كانت عند بئر “توجنين” البعيد نسبيا إلى الجنوب من منطقة القصف. بينما استمر قصف الفرنسيين لمنطقة البئر حيث وقع الاشتباك على مدار اليوم.

وفي الليل، بعد أن تجمّعت فرقنا من جديد، ورغم انكشاف أمرنا، أكملنا المسير عبر الجبل نحو “أطار”.

وفي ساعة متأخرة، تجمّعنا في مكان آخر من الجبل، تمركزنا فيه في انتظار مواصلة المسير في الليلة التالية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *