أحدثكم مرة ثالثة عن مراكش ، لكن بداية تأملوا معي هذه العبارات :

 * حلق بي إلى القمر ودعني ألعب بين النجوم .

 * حنين للماضي لجعل الحاضر يبكي

*أرضنا مثل الحلم .

رحت أتأمل هذه العبارات. قرأتها عدة مرات لاستيعاب دلالاتها، ثم شرعت في الحديث مع نفسي. كان كلاماً مع النفس مرة من باب التأمل وتارة من باب التذكر.

هذه العبارات كتبت بالإنجليزية، تجاسرت وترجمتها إلى العربية وفي اعتقادي إن الشعر واللغة الإبداعية يفترض أن تتذوق في لغتها الأصلية ولا يمكن إدراك عمق الشعر وروحه في لغة أخرى.

عبارات وأشعار كتبت في مدخل وداخل أروقة “المتحف الأفريقي للفن المعاصر” في مراكش، اقترحت علي ابنتي سلمى زيارة هذا المتحف، مشيرة إلى إنها سمعت عنه الكثير.

تقول المعلومات التي استقيتها من مصادر داخل المتحف، بأنه افتتح في يونيو من العام الماضي ويستمر حتى يوليو من العام الحالي، أي سنة كاملة.

أحرص دائماً على زيارات المتاحف في أي بلد أو مدينة زرتها، لكن لم أسمع قط بهذا المتحف، ربما مشاغل الدنيا التي تجعلنا في بعض الأيام نرصد القليل من الأخبار التي تنهمر كما تنهمر حبات المطر، أو ربما لم يحظ المتحف بالتغطية الصحافية التي يستحقها.

في أروقة المتحف، الكثير من اللوحات التي هي أقرب إلى المنمنات، لكن كتيب متحف “ماكال” كما هو اسمه يقول إنه أول معرض “منوغرافيك” في المغرب، لا أزعم فهماً لهذه الكلمة ولم أحاول أن أجد شرحاً من “قوقول” وهو في رأيي مجرد حاطب ليل.

في جميع الأروقة إما غرف بالأسود أو جدران وممرات بالأبيض، أي أن المعرض يركز على التجاذب بين الأسود والأبيض.

أثارت انتباهي غرفة شبه مظلمة وبداخلها إضاءة خافتة وبعض اللوحات التي يمكن مشاهدتها بصعوبة، وموسيقى طافحة بالحزن. هي عبارة عن كلام هامس.. وخيال.

صاحب فكرة المتحف، فنان من مدغشقر يدعى “جويل اندريانوميا”، بادر إلى دعوة ستة فنانين إلى حوارات تشكيلية غير مسبوقة، وكانت النتيجة لوحات المتحف التي تكاد تكون عبارة عن نقاط أو بقع سوداء على خلفية بيضاء.

بعض اللوحات تركز على قوة الأسود، أخرى على جاذبية الأبيض.

تأملت كثيراً اللوحات وفي تُؤَدَة وتذكرت عبارة الطيب صالح في “موسم الهجرة إلى الشمال” عندما وصفت أحداهن مصطفى سعيد بطل الرواية قائلة:

ما أروع لونك الأسود، لون السحر والغموض والأعمال الفاضحة.

أختم بعبارتين كتبت على جدار داخل المتحف:

 أولا نرقص ثم نبكي .

أولا نقبّل ثم نموت.

طلحة جبريل: كاتب وصحفي