تبجحت وسائل الإعلام الجزائرية، كثيرا، كون الجزائر نجحت في تحقيق سابقة، خلال استضافتها للقمة العربية، وهي أنها وفرت كل الوسائل الضرورية لانعقاد القمة من دون ورق.

ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية، الأحد، عن مدير عصرنة العمل الدبلوماسي بوزارة الخارجية (عقبة شابي) قوله إن هذه القمة “هي أول قمة دون ورق والتي تعتبر سابقة في تاريخ القمم العربية” . 

الحديث طبعا عن الرقمنة، لكن ما يهمنا هنا، هو إذا كانت القمة العربية بالجزائر هي أول قمة تنعقد بدون ورق، فإن مخرجاتها وخلاصاتها ستكون كلها من ورق.

ونجاحها سيكون، أيضا، على الورق.

وكمؤشر على ذلك، فقد تتالت في اليومين الأخيرين قرارات إلغاء الحضور من طرف أغلب القادة العرب.

كانت البداية من قادة دول الخليج، ثم الأردن، والمغرب، ومن المرجح أن ينتهي مسلسل الإلغاء بالرئيس المصري عبد الفتاح الساسي.

هذه الغيابات الوازنة وغير المسبوقة دليل على فشل القمة.

وهذا الفشل لم يأت من فراغ بل كان متوقعا.

 أصبح كل توصيف خارج توصيف الفشل غير مناسب لرسم المناخ العام الذي تنعقد فيه القمة العربية الـ31  التي اختار لها حكام الجزائر عنوانا مُغريا لكنه فارغ “قمة لم الشمل”، وهي في الواقع قمة تشتيت الشمل.

وها هو شمل العرب تشتت حتى قبل أن تبدأ القمة.

لقد تم تأجيل القمة عدة مرات، وكانت الشكوك تحوم حول إمكانية عقدها.

وكان ثمة تساؤلات تنصب حول ما إذا لم يكن ثمة خطأ في إسنادها إلى الجزائر.

بسبب السلوك العدواني لحكام البلد تجاه المغرب ودعم الجزائر لمواقف مناهضة للمصلحة العربية.

في مقدمتها دعم إيران التي تتدخل بشكل سافر في الشؤون العربية، وتُدرب وتسلح عصابات بوليساريو لمحاربة المغرب وتعزيز الانفصال والإرهاب في المطقة، ودعم نظام بشار الأسد الدموي، ودعم اثيوبيا على حساب مصلحة مصر.

إن غياب الزعماء العرب يُعتبر ضربة قاصمة للجزائر وعنوان فشل القمة. لأننا عمليا أصبحنا أمام اجتماع عادي بأدنى تمثيلية في تاريخ القمم العربية.

ومهما سيتبجح النظام الجزائري بنجاح القمة، فإن لا أحد سيأخذ هذا الكلام محمل الجد.

لقد تسبب قصر النظر وغياب الرؤية الاستراتيجية والدبلوماسية لدى حكام الجزائر في فشل القمة.

كان حري بهم أن يقدموا إشارات حسن النية تجاه المغرب والقضايا العربية.

كان لديهم الوقت الكافي لذلك، لكنهم تمادوا في أخطائهم وإصرارهم في البقاء على الخلاف مع المغرب.

لا يمكن لقمة أن تنجح مع استمرار النظام العسكري الجزائري في عدائه للمغرب، ورفضه لأي انفراج في العلاقات المغربية الجزائرية التي قطعها من جانب واحد وبدون أي مبرر.

من هذا المنطلق، فوت النظام الجزائري فرصة سانحة لعقد قمة عربية ناجحة كان يمكن أن تُشكل منطلقا لمرحلة جديدة في العلاقات العربية العربية.

وفي مواجهة التحديات الحقيقية المطروحة أمام العالم العربي.

تنعقد القمة العربية في دورتها الحادية والثلاثين، بعد غياب استمر أكثر من ثلاثة أعوام بسبب جائحة كورونا، وفي ظل تحديات إقليمية ودولية بالغة التعقيد.

أبرزها استمرار النزاعات فى عدد من الدول العربية. 

واستمرار تداعيات  الأزمة الصحية العالمية وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وما تفرغ عنها من ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الأساسية، وارتفاع منحى التضخم إلى مستويات غير مسبوقة.

في غياب مؤشرات نجاح القمة، انصب انشغال النظام الجزائري على جعل القضية الفلسطينية محور القمة، على أمل أن يشكل هذا المحور ضمانا لنجاح القمة.

لكن المراهنة على القضية الفلسطينية غير كاف.

فهذه ليست هي المرة الأولى التي تحظى فيها القضية الفلسطينية بهذا الاهتمام المركزي من طرف القمة العربية، كانت العديد من القمم مخصصة للقضية الفلسطينية.

ولم تفض إلى حل للقضية،  ولا يمتلك الساسة في الجزائر أية قوى خارقة لحلها، ومن ثمة فإن مآل المصالحة الفلسطينية المزعومة هو الفشل.

ستبحث القمة في قضايا جوهرية راهنية: تطورات الأوضاع في كل من ليبيا واليمن والصومال والتضامن مع لبنان ودعم السلام والتنمية في السودان والصومال.

كما ستبحث القمة  في التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية ؛ وصيانة الأمن القومي العربي، ومكافحة الإرهاب ؛ والأمن الطاقي والغذائي.  

لكن ذلك سيبقى كله حبرا على ورق في غياب التفعيل..  خاصة مع  الغيابات الوازنة للقادة العرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *