يتحدث حسن عبيابة، أكاديمي ومحلل سياسي واقتصادي، في الحوار التالي عن مضامين مشروع قانون المالية لسنة 2023، والسياق العام الذي تم إعداده فيه، وهو سياق صعب، يتميز بتعاقب سنوات الجفاف وتداعيات كوفيد 19 والحرب الروسية الأوكرانية..

حوار: جمال بورفيسي

قدمت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، أمس الخميس مشروع قانون المالية لسنة 2023، أمام البرلمان بمجلسيه، ماهي ملاحظاتكم حول المشروع؟

 يبدو، من خلال الاطلاع على عرض الوزيرة، أن مشروع قانون المالية لسنة 2023 يتضمن مؤشرات متفائلة وطموحة بشكل مبالغ فيه.

فهو ينبني على فرضة تحقيق نسبة نمو في 4%، وضبط التضخم في حدود 2 في المائة، وتقليص نسبة العجز في الميزانية في 4.5%.

 ويرتكز مشروع الميزانية على هذه الفرضيات رغم السياق الدولي والوطني الصعب، المتسم بتبعات الأزمة الصحية العالمية واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتوالي سنوات الجفاف.

ويُخشى أن هذه الأرقام، انطلاقا من التجارب السابقة، لن تتحقق في حال استمر المناخ العام السائد في العالم وعلى المستوى الاقليمي والوطني.

فوفق تقارير المؤسسات المالية الدولية، فإن نسبة النمو المتوقعة في العالم  خلال السنة المقبلة(2023)لن تتجاوز 3%، وفي منطقة الأورو، الشريك الاقتصادي الرئيسي للمغرب، لن تتعدى 0.5%.

لكن رغم ذلك، تقول الحكومة إن فرضيات مشروع الميزانية واقعية؟

هي في الحقيقة فرضيات تبقى رهينة بتحسن المناخ السياسي والجيو استراتيجي العالمي، أما إذا استمرت وضعية اللايقين والسياق المضطرب الحالي، فإنه من الصعب تحقيق تلك الأرقام الواردة في  مشروع  الميزانية.

لاحظ ما يقع حاليا في العالم، وبالتحديد، في أوربا، هناك ما يمكن أن نسميه بالأزمة في المصادقة على الميزانيات.

 ففي فرنسا لم تتمكن الحكومة من تمرير مشروع الميزانية إلا بفضل لجوئها إلى الفصل 49 من الدستور( يُتيح للحكومة تبني مشروع قانون دون اللجوء إلى موافقة البرلمان).

 وفي بريطانيا، واكبنا ما حدث مع رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس، التي قدمت الخميس استقالتها من منصبها، بعد ستة أسابيع فقط على توليها رئاسة الحكومة.

 إن اعداد ميزانيات  مبالغ في طموحها وتفاؤلها وافتراضية، لا يعالج المشكل بل قد يعمل على تأزيمه. ولا يساعد في التخفيف من وقع الأزمة.

 وكلما اقتربت الميزانيات من الواقعية ومن المؤشرات والأرقام القابلة للتطبيق وغير الغارقة في التفاؤل، كلما ساعد ذلك على تقليص حدة الأزمة.                   

لا أحد يستطيع أن يتكهن بما ستؤول إليه الأوضاع  العالمية والإقليمية ومآل الحرب الروسية الأوكرانية. كما أن الجفاف ما يزال يُرخي بظلاله، هذا المناخ يجعل الفرضيات هشة.

الحكومة منخرطة في تنزيل أربعة مشاريع هيكلية، تتعلق بمشروع تعميم الحماية الاجتماعية، الاستثمارات، الإصلاح الجبائي، وإصلاح منظومة التعليم. وهذه مشاريع تتطلب اعتمادات مالية مهمة.

وفي المحصلة، فإنه في ظل المناخ العام السائد،  المتسم بتوالي سنوات الجفاف والأزمات الخارجية، يمكن القول إنه إذا حققنا 2,5%  أو 3% من النمو، فهذا سيكون مكسبا كبيرا.

 لابد أن نسجل، بالمناسبة، أن إعداد الميزانيات في المغرب ما يزال يخضع لمنهجية تقليدية، بفرضيات هشة، أي مراعاة سقوط الأمطار، والسنة الفلاحية، وتحويلات مغاربة العالم..

ما الحل؟

كان حري بالحكومة أن تعتمد منهجية الأولويات ، بمعنى أن تركز على أولويات قصوى محددة، عوض إدراج عدد كبير من الأولويات. لأن العبرة بتنفيذ الميزانية.

حينما نتحدث عن الميزانية، فإننا نتحدث بلغة الاقتصاد وليس بلغة السياسة، فنحن لا نعد الميزانيات قصد تمريرها بل من أجل تنفيذها.

*حسن عبيابة، أكاديمي ومحلل سياسي واقتصادي 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *