حديفة الحجام

كانت ظاهرة الإدمان، إلى الماضي القريب، مقتصرة على إدمان المخدرات. واليوم، ومع التقدم التكنولوجي، وظهور أجهزة إلكترونية متطورة من قبيل الهواتف المحمولة واللوحات الإلكترونية وغيرها من وسائل اللعب وتزجية الوقت، بدأ الخبراء يدقون ناقوس الخطر حول ظاهرة الإدمان الإلكتروني، خاصة لدى فئة الصغار والمراهقين.

وبعدما كان يعتقد أن قضاء الطفل وقته خلف جهاز إلكتروني داخل المنزل وعلى مقربة من والديه، هو أفضل من قضائه مع أقرانه في الشارع مع ما قد يترتب عن ذلك من آثار على سلوكه، تم تسجيل حالات انتحار وحوادث عنف تجاه الآخرين أبطالها أطفال ومراهقون، وحتى بالغون، تبين بعد البحث والتحقيق أن السبب فيها هو إدمان الألعاب الإلكترونية. وهو ما أدى إلى إثارة الانتباه إلى خطورة هذه الظاهرة.

ومع تنامي هذه الظاهرة وأخذها أبعادا كبيرة، صنفت منظمة الصحة العالمية، في سنة 2019، الألعاب الإلكترونية وألعاب الفيديو مرضا خطيرا ينبغي العلاج منه، وذلك بسبب وقوع الأطفال والمراهقين في مختلف أرجاء المعمور ضحايا لهذا الخطر الداهم، مع ما لذلك من تأثيرات سلبية على العلاقات الاجتماعية ومستوى التحصيل الدراسي. وقد يتفاقم الأمر أكثر، فيصاب مدمنو هذه الألعاب باضطرابات نفسية تصل حد الاكتئاب وربما الإقدام على الانتحار.

وفي المغرب، كشف تقرير أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول ظاهرة الإدمان سنة 2021 بعنوان “مواجهة السلوكات الإدمانية.. واقع الحال والتوصيات”، أن “الاستخدام المرضي للشاشات وألعاب الفيديو والانترنت بدأ يتنامى في بلادنا”.

وأوضح التقرير أنه وعلى الرغم من أن هذه الإشكاليات لا تحظى بالاهتمام حاليا على مستوى منظومة الصحة العمومية، فقد أظهرت دراسة وبائية أجراها مكتب دراسات خاص سنة 2020 على عينة تضم 800 مراهق تتراوح أعمارهم بين 13 و19 سنة بمدينة الدار البيضاء، أن 40 بالمائة يستخدمون الإنترنت بشكل يخلق لهم العديد من المشاكل، وأن حوالي 8 بالمائة يوجدون في وضعية إدمان.

وبخصوص الأسباب الكامنة وراء إدمان الألعاب الإلكترونية، أكد الأخصائي النفسي الإكلينيكي والمعالج النفساني، فيصل طهاري، في حوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء، أن ذلك راجع إلى إهمال الوالدين للطفل بتركه يلعب لساعات طويلة، موضحا أنه “بما أن الطفل لا يمكنه التحكم في اللعب، سواء اللعب الواقعي رفقة أصدقائه أو حتى اللعب الإلكتروني، فالوالدان مطالبان بتقنين استهلاك الإنترنت والألعاب الإلكترونية ونوعية هذه الألعاب”.

ونبه المعالج النفساني إلى أن “هناك ألعابا كثيرة تحتوي على مشاهد عنف، وأخرى خطيرة توجه للأطفال نوعا من الأوامر”، مستشهدا في هذا الصدد، بالأطفال الذين أقدموا على الانتحار بسبب لعبة إلكترونية بعينها كانت تأمرهم بخوض تجربة الانتحار.

ومن بين الآثار المترتبة عن هذه الظاهرة على الأطفال، يشير الطهاري إلى أن وظائف الدماغ المتمثلة في الذكاء والإدراك والانتباه والتركيز والذاكرة تتأثر بشكل كبير بسبب الساعات الطويلة أمام الأجهزة الإلكترونية، مما ينعكس سلبا على التحصيل الدراسي وعلى العملية التعلمية ككل.

وأوضح أن من بين الاضطرابات التعلمية هناك عسر الكتابة والقراءة، بحكم أن الطفل المدمن يتقوقع على نفسه وتربطه علاقة وطيدة جدا بجهاز اللعب، سوءا الهاتف أو اللوحة الإلكترونية، ويقطع علاقاته الاجتماعية مع أقرانه، خاصة إذا علمنا من الناحية النفسية الاجتماعية التأثير الإيجابي لجماعة الأقران على نموه النفسي المعرفي، وبالتالي يعد هذا الأمر خطيرا جدا، مما قد يتسبب له مستقبلا في اضطرابات في الشخصية.

ومع مرور الوقت، يستطرد الأخصائي النفساني، يمكن أن يصل الأمر إلى ظهور أعراض القلق والضغط النفسي، كما يمكن أن يصل في مرحلة معينة إلى ظهور اضطراب الاكتئاب عندما يجد الطفل نفسه معزولا عن وسطه الاجتماعي ومنعزلا ومنطويا على نفسه.

وبخصوص طرق العلاج، أكد الطهاري أن هناك طريقتين تبعا لحالة الطفل. فهناك أولا التدخل المبكر للوالدين للحد من استهلاك الألعاب الإلكترونية، عن طريق تعزيز السلوكيات الإيجابية لدى الطفل وإعطائه بدائل أخرى غير الألعاب الإلكترونية، من قبيل مشاركته في اللعب، “بمعنى أن الوالدين يجب أن يشاركا الطفل اللعب الحقيقي”

أما في المراحل المتقدمة من الإدمان المتمثلة في رصد بعض اضطرابات التعلم أو الاضطرابات المعرفية، فيوصي الأخصائي في هذه الحالة بتدخل المعالجين النفسانيين أو معالجي الإدمان. أما في حالة ظهور أعراض قوية كالقلق والاكتئاب، فيمكن اللجوء إلى التدخلات الدوائية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *