المحجوب الدرويش 

 

أكد “المرصد المغربي للحياة الجمعوية والمدنية” الحاجة إلى ديموغرافيا جمعوية تواكب تعقدات قضايا المجتمع المغربي وتغيره، وذلك بدراسة الجمعيات ستاتيكيا وديناميكيا من خلال رصد تزايد عدد الجمعيات عبر الزمن، ومن خلال تتبع حركية تأسيس الجمعيات واختفائها، ودراسة توزع الجمعيات جغرافيا بين الجهات، وبين المدينة والقرية، وتوزعهم بين مجالات الاهتمام.

وأشار المرصد (OMVAC) وهو مؤسسة مدنية مغربية ذات هوية أكاديمية علمية مستقلة تهتم بالديموغرفيا الجمعوية بالمغرب، في ورقته العلمية إلى أن “المتتبع سيتفاجأ بتضارب الأرقام المعلن عنها بخصوص العدد الاجمالي للجمعيات بالبلاد، و تغيرها المتسارع من سنة لأخرى و من ولاية حكومية لأخرى مقدما أمثلة لذلك.

وذكر أن آخر رقم معلن عنه بخصوص الديموغرفيا الجمعوية، هو الرقم الذي  قدمه الوزير مصطفى بايتاس، بصفته وزيرا منتدبا مكلفا بالعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة، وذلك  في معرض حديثه عن التدابير التي تعتزم وزارته القيام بها لفائدة جمعيات المجتمع المدني. حيث أشار الوزير إلى أن عدد الجمعيات بالمغرب تجاوز 200 ألف جمعية، في حين سبق للوزير مصطفى الرميد في حكومة العثماني أن أعلن عن رقم مماثل، عندما أشار سنة 2020 إلى أن عدد الجمعيات المسجلة قانونيا بالمغرب، تجاوز 200.000 جمعية. 

وكان الوزير مصطفى الخلفي في حكومة بن كيران، قد ذكر بأن عدد الجمعيات المسجلة قانونيا بالمغرب يبلغ 160.000 جمعية…

واعتبرت الورقة العلمية الصادرة عن المرصد أن “هذا التضارب في الأرقام، هو مؤشر على خلل في السياسة الرسمية تجاه الجمعيات، بالنظر إلى أن أية سياسة أو تخطيط يهم الجمعيات، ينبغي أن يستند إلى أرقام واحصاءات مضبوطة. غير أن المتتبع للشأن الجمعوي ببلادنا، يصطدم بحقيقة شح المعطيات الإحصائية حول الجمعيات ومحدوديتها، و التكتم عليها و في حالة توفرها، يلاحظ غياب أي تحديث منتظم لها”. 

وأكدت الوثيقة على أن هناك “صعوبة كبيرة ببلادنا للولوج إلى المعطيات الإحصائية الخاصة بالجمعيات، مما يحول دون رسم صورة واضحة عن الديموغرافيا الجمعوية، على الرغم من الوعي المتزايد  بأهمية هذه المعطيات الإحصائية من أجل أي سياسة أو برنامج موجه للجمعيات”، مشيرة في هذا الصدد الى التوصية الصادرة سنة 2016عن  المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في تقريره حول” وضع ودينامية الحياة الجمعوية”، والداعي إلى توفير قاعدة معطيات إحصائية وطنية حول الجمعيات تكون دقيقة ومبسطة ومحينة،  من خلال تعزيز النشر المنتظم، من طرف المندوبية السامية للتخطيط ووزارة الداخلية والأمانة العامة للحكومة، وأي هيئة عمومية أخرى معنية، للمعطيات التي تتعلق بالنسيج الجمعوي. 

وأوصى،  بتشجيع إنجاز أعمال أكاديمية حول هذا النسيج..

وأشار المرصد إلى كون  التغيرات التي تطال الديموغرافيا الجمعوية عموما  ليست مسألة اعتباطية، بل هي مؤشرات مهمة على ما يحدث  في المجتمع، “بل يمكن الذهاب إلى حد القول إن الديموغرافيا الجمعوية تعكس بأمانة اتجاهات تحول المجتمع، أو على الأقل بعضا منها”، معتبرا أن “الحيوية الكبيرة، التي ميزت الحقل الجمعوي ببلادنا، في العقود الأخيرة، والتزايد الكبير والمضطرد لعدد الجمعيات، هو تعبير عن توسع مجال المشاركة الاجتماعية، إذ أصبح إنشاء الجمعيات يعبر عن تعقد المجتمع وتغيره، و يستهدف تجاوز الاختلالات التي يطرحها هذا التعقد وهذا التغير، بالنسبة للمواطنين. وزاد مدققا أن “تأسيس الجمعيات لم يعد يمثل ترفا بل ضرورة اجتماعية، تطمح إلى ملأ الفراغ الذي تتركه عادة  تدخلات الفاعلين العموميين أو نتيجة لمحدودية تلك التدخلات ،أمام الطلب المتزايد و الأزمة المتصاعدة”.

وأشار فوزي بوخريص، رئيس المرصد المغربي للحياة الجمعوية والمدنية وأستاذ علم الاجتماع بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، إلى أن “هناك خصاص مسجل على مستوى إدراك الظاهرة الجمعوية وهو ما يطرح  مشكلات مزدوجة، علمية وعملية: فهو من جهة يعوق تقدم البحث العلمي حول الواقعة الجمعوية، إذ يحول دون وضع بعض الفرضيات حول هذه الواقعة موضع إثبات إمبريقي. 

ومن جهة أخرى، يحرم أصحاب القرار من معطيات ثمينة ومفيدة من أجل تحليل وبلورة السياسات العمومية في المجال. فسواء على المستوى العلمي أو العملي، هناك شعور بالحاجة إلى معلومات إحصائية حول الظاهرة الجمعوية”، أمرسيحاول المرصد تداركه، انطلاقا من عمله على “مواكبة الدينامية التي يشهدها الحقل الجمعوي والمدني بالمغرب على جميع المستويات: الاجتماعية والثقافية والبيئية.. ، والمساهمة في الارتقاء بالممارسة الجمعوية والمدنية ببلادنا، وتخليق الحياة الجمعوية والمدنية عن طريق تكريس مبادئ الشفافية والحكامة الجيدة وتعزيز الديمقراطية التشاركية لدى التنظيمات الجمعوية والمدنية بالمغرب، والمساهمة في تقوية قدرات الفاعليين الجمعويين والمدنيين وذلك من خلال وضع مخطط سنوي لتقوية القدرات، واقتراح آليات عملية لتعزيز ثقافة الديمقراطية التشاركية وقيم المواطنة ومبادئ التطوع لدى الأجيال الصاعدة”.

وأضاف ذات المتحدث إلى أنهم  من خلال تأسيس هذا المرصد  يهدفون كذلك  إلى “تشجيع الباحثين والمهتمين للبحث في مجال الحياة الجمعوية والمدنية بالمغرب، من خلال المزاوجة بين البحث العلمي النظري والميداني في مقاربته للمواضيع المتعلقة بالحياة الجمعوية والمدنية بالمغرب، والعمل على تدعيم التعاون وتبادل الخبرات والخبراء مع المراكز المماثلة والشبكات الوطنية والدولية والجامعا”.

وأشار  إلى أن قدرة المجتمع على النمو و على التطور و على الابتكار مرتبطة بصفة أساسية بقدرته على بناء أكثر ما يمكن من مجالات العمل المتخصصة و التي تكون قريبة من المواطنين و بعيدة عن تحكم السلطة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *