طلحة جبريل

 

يركض عبدالرزاق لبشيري فوق عشب شارع الجيش الملكي وسط الدار البيضاء، من الصباح الباكر حتى العصر. يهرول حاملاً الصحف اليومية والأسبوعية، يعرضها على سائقي السيارات عندما يقفون أمام إشارة المرور. منذ قرابة ربع قرن يمارس هذه المهنة. 

تقول وثيقة يحملها في جيبه إنه “بائع صحف متجول”.

 يتصفح الصحف، ويقرأ بعضها، قبل ان يشرع في الركض فوق عشب الشارع . ظل يمارس هذه المهنة منذ عام 1997.

جاء إلى دنيا الناس هذه في عام 1963، درس حتى السنة الرابعة أعدادي، بعد “التجنيد الإجباري” سيصبح بائعاً متجولاً للملابس في “سوق القريعة” المكان الذي يمارس فيه إبنه زكريا (23 سنة) حالياً”مهنة البيع والشراء”. في حين يدرس عبدالرحيم (18 سنة) إبنه الآخر  في مستوى الباكلوريا. زوجته تعمل في بعض الأحيان خياطة.

جذبت عبدالرزاق مهنة والده الذي ظل يعمل بائعاً للصحف قرب”سينما الحرية”.انتقل إلى شارع الجيش المكي ليمارس مهنة “بائع الصحف الراكض”. يقول “تربيت هنا وتعلمت الصبر على المحن والمعاناة”.

مداخيله  في اليوم ما بين  70 و 80 درهماً. يقول بأسى “بعض الأحيان أحصل على أربعين درهماً فقط”. حتى في ايام الشدة  يعود راضياً إلى “حي ليساسفة” حيث يقطن. حي مكتظ كان يعرف بإسم “الكيلو رقم تسعة “له تاريخ طويل، هناك شريحة واسعة  تنتمي إلي  “البروليتاريا الرثة”. 

في الأيام الماطرة يضطر عبدالرزاق  للإنزواء أمام أحد المتاجر. لا يكترث لزمهرير الشتاء أو رياح الخريف أو حرارة صيف اللاهب، في كل الفصول يظل يركض حاملاً صحفه.

بعض الذي يعرفونه ينفحونها دون أن يطلبوا منها صحيفة.

يتذكر “هناك من كانوا صغاراً، يتنقلون في ذلك الوقت رفقة آبائهم، هؤلاء يجودون علي بالكثير”. هذا “الكثير” يكون في حدود عشرين درهماً.

رجل طويل القامة، يمشي على مهل أحياناً.يرتدي قبعة بيضاء تغطي شعراً سرح فيه الشيب.صدرية حمراء فوق القميص، اهداها له أحد الزبناء.بنطال أسود. حذاء لامع. يرقب السيارات بعينين هاربتين.عيناه صغيرتان تتألقان ذكاءً. على فمه ابتسامة غير متطفلة. بداوة مفرطة في الجرأة. تبدو عليه رواسب من أصول قروية.صوته خفيض فيه بحة. يتحدث بهدوء كلام الواثق،يحدق بانتباه وكأنه يريد بالفراسة أن يكتشف الآخرين. شخصية فيها لمسة من الغموض ولمسة من العبوس ولمسة من المرارة. رجل منهك بالخيبات لكنه مرح المزاج. يمشي ببطء على الجسر من الكهولة الى الشيخوخة. أٌعطيت له موهبة الانتظار. يعتقد جازماً أن هناك مستقبلاً جميلاً سيأتي. يرضى بالممكن، يتقبل القليل. من الصعب أن يبهرك من بعيد لكن من الصعب ألا تحترمه عن قرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *