بقلم :محمد سليكي مدير النشر بموقع le12

 

 

لعل ما يُثير الدهشة ويدعو إلى التساؤل، بل إلى القلق والحيرة، وأنت تتباع صورة بعض مغاربة”حج 2018″ في إعلام هذا الزمان، هو ذلك الإصرارُ المرَضيّ العجيب من البعض على الإساءة إلى كل ما له صلة بالإسلام؛ وما يشد عضد علاقة حكومتي الرباط والرياض..

إن ما عاينّاه في الفترة الأخيرة من”هجوم” غير مفهوم على فريضة الحجّ، يطرح أكثر من تساؤل حول خلفيات، وحقيقة غايات، غالبية ما “نشر” و “بث”حول ما اعترض بعض الحجاج المغاربة من حوادث، وتحديدا في مشعر مِنى، حيث يجتمع ما يزيد عن مليونَي مسلم في هذه البقعة الطاهرة وفي التوقيت ذاته.

ولئن كان الهدف من الحج، هو الظفر بحج مبرور، الذي يكون جزاؤه الجنة، فإنه من الطبيعي، بل والبديهيّ، أن تعترضك صعوبات وأنت تؤدي تلك مناسك، خاصة بمشعر منى، في مكان طاهر درج عليه الحبيب المصطفى، ويحج إليه في وقت واحد ما لا يقل عن مليوني حاج وحاجة..

لقد بدا جليا والحالة هاته، أن ثمة نزعة غريبة نحو “التهييج”، كما سبق لأحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أن عبّر عن ذلك في جلسة سابقة في البرلمان، قد تمكّنت كلياً من نفوس البعض (شافاهم الله وعافاهم) وجعلتهم لا يتورّعون عن “تصوير” كل ما من شأنه إظهارُ المغرب في صورة دولة لا تهتمّ بمواطنيها من الحجيج، لا بل ومحاولة تبخيس، من حيث يعلمون أو لا يعلمون، مجهودات بلاد خادم الحرمين الشريفين في خدمة ضيوف الرحمان.

حاج مغربي يستلم مظلة الحاج

لقد تنسى البعض أن الحج عبادة، وليس سياحة خمس نجوم، فأخذ يجادل فيما ليس له به علم، في تحلل تام من آداب أداء هذه العبادة، علما أن الله يقول في سلوك الحاج في الحج:﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197]. وقول رسوله صلى الله عليه وسلم مبشرا من التزم هذه الاية الكريمة وعظم شعائر المولى جلا وعلا:«من حجَّ فلم يرفُث ولم يفسُق رجع من ذنوبه كيوم ولدَته أمه».

فكيف تريد أيها الحاج أن ترجع إلى أهلك ووطنك، كيوم ولدتك أمك؟، بدون صبر على الابتلاء، ولا كظم للغيظ، ولا عفو على الناس، لا بل ولا أن تؤتمر بأوامر الله الأربعة الواردة في قوله تعالى: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:200].. هذا سؤال..

إن الحاج المغربي -أو أي مسلم- حين يقصد تلك الأرض المباركة، من أجل أداء الركن الخامس من أركان الإسلام، يكون سعيه “الاغتسال”من الذنوب، كما نعبّر عن ذلك بلهجتنا المغربية، الجميلة والعميقة في آن، لا أن يعود إلى أهله وبلده كما خرج.

بمعنى، أنه يُفترَض فيه أن “يتطهّر”من كل أحقاده وعُقَدِه وضغائنه تجاه مَن يعرف أو سبق له أن تعامَل معه في شأن من شؤون هذه الدنيا الفانية، و أن يعامل الناس هناك في بلاد الحرمين معاملة مُودع، كحين يصلي صلاة مودع، فما بالك تجاه مؤسسة ساهرة على مناسك الركن الخامس من ديانة الإسلام، و دولة شرفها الله باحتضان وخدمة الحرمين الشريفين، و حماية من دخلهما من ضيوف الرحمان!.. لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ﴾ [آل عمران: 97].

وإذا عدنا بذاكرتنا قليلا إلى الوراء سنتذكر، لا محالة، كيف كان من ينوي الذهاب إلى الحج في ذلك الزّمن الجميل، يحرص على طلب “المسامحة” من جميع من يعرف، فرداً فردا، فهو يضع في حسبانه، وقد نوى أداء ركن ركين من أركان الدين الحنيف، أنه قد لا يعود حيّا من تلك الرحلة، بل تكون تلك أمنيةَ بعض الحُجاج، حتى يموتوا هناك، طاهرين وقد تسامحوا مع الجميع، بعدما تزودوا بخير الزاد و هو التقوى، طمعا في حج مبرور، إذ ورد في”الصحيحين” من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «والحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة»؛ أخرجه البخاري ومسلم.

بيد أن بعض”المُهيِّجين”من حٌجاج، يأبَون إلا أن يضربوا كلّ هذه المعاني والغايات النبيلة للحج، بما هو تضحية و إيثار وصبر على الشدائد، عرْضَ الحائط، فتراهم متأبّطين هواتفهم وكاميراتهم، لتوثيق”الشادّة و الفادّة”، ممّا قد يقع من حوادث، و لو كانت معزولة وفي سياق خاصّ، مثل ما يحدُث في الحج من ازدحام واكتظاظ، وتحديدا في مشعر مِنى الذي يقصده جموع الحجيج في يوم واحد لأداء الركن الأعظم في الحج، كحدث تعبئ له كل الإمكانيات، لتوفير شروط الحياة، لهذه الحشود من ضيوف الرحمان.

لاشك انه بمثل هكذا تصرّفات غير مقبولة، يُقدم هؤلاء “المهيجون”، وهم فئة قليلة، فرصة ثمينة لمرضى طائفة من إعلام بلادهم وصحافة خصوم وطنهم، للإساءة خائبين إلى العلاقة بين البلدين الشقيقين. المغرب والسعودية قيادة وشعبا.

بيد أن الغريب في أمر هؤلاء، أنهم ينسون أو يتناسون أن هذا المكان تحديدا (مِنى) يشهد هذا الاكتظاظ كل حج، وأن المسلمين من جميع بقاع المعمور يعانون من تبعات صعوبات الازدحام المثارة، وليس فقط المغاربة.

وفوق كل ذلك، ينسى هؤلاء الغايةَ من وراء تجشّمهم عناء قطع كل هذه المسافة وتحمّل كل هذه التكاليف، ألا وهي تأدية شعيرة الحجّ بشكل أحسن وعلى نحو أعظم..، و ليس تحيّن أول فرصة تتاح، لكي يشهروا أسلحتهم، عفوا، كاميراتهم وهواتفهم، للإساءة إلى بلدهم وبلد استضافتهم!.. و هو ما يدعوا المرءَ إلى التساؤل:هل جاء هؤلاء، حقا، من أجل أداء فريضة الحج، وما يتطلّب ذلك من حسن النية وصفاء السريرة وحب الخير للجميع؟ أم تُراهم “صحافيون” متنكّرون، لم تتطهر قلوبهم بعد..؟!

ونحن، و إن كنّا في جريدة le12.ma  الالكترونية، لا ندافع عن أحد، و لا عن جهة، فإننا نستطيع أن نشجُب بكل قوة، ذلك “التجنّد” الغريب من صحافة النهش، من أجل تسفيه كل المجهودات التي تبذلها الدولة المغربية، في شخص الوزارة المعنية بشؤون حجاج بيت الله، و السلطات السعودية لتيسير حج المغاربة وضيوف الرحمان، وهي مجهودات لا ينكرها إلا حاقدٌ أو ذو نيّة مبيّتة للسوء والإساءة..

لقد كان على هؤلاء الحجاج”المتضررين”، من أصحاب تأشيرة المجاملة كانوا، أو خلافها، اللجوء الى القضاء كسلوك حضاري في دفع الضرر، طلما أنّ بعض المشاكل التي يواجهها الحجيج، في الإقامة والتنقل مثلا، ليست بالضّرورة نتيجة “تقصير” وزارة الأوقاف المغربية، ولا حتى سلطات السعودية، وإنما المسؤول عن نسبة كبيرة منها هي وكالات الأسفار، بدل هذا الإصرار المثير للشكوك على “التشهير” دون وجه حق، بالوزارة المعنية وبسلطات البلد المستضيف.

ولأن المناسبة، شرط كما يقول الفقهاء، فإنه لا يمكن الحديث عن مغاربة “حج 2018″، دون الحديث عن تدبير سفارة السعودية في الرباط، لتأشيرات رحلة أداء الركن الخامس في الإسلام.

لقد حرصت هذه السنة، سفارة السعودية التي يوجد على رأسها معالي السفير الدكتور عبد العزيز محيي الدين خوجة، رجل الدولة المرجعي، وبخلاف ما رُوّج له بكيفية مغلوطة،(حرصت) على ألا تمنح “تأشيرات المجاملة” إلا لمن تتوفر فيه شروط صارمة و”باكيدج” متكامل، كأن يتوفر المعنيّ على الإقامة وتذكرة الطائرة…؛ لكنْ لا حياةَ لمَن تُنادي! هناك مَن شغله الشاغل هو البحث عن أيّ منفذ من أجل  السعي خائبا لتشويه سمعة بلاد الحرمين، أو وزارة الأوقاف المغربية.

رغم المجهودات المبذولة، لقد شهد الحج دوما، وسيشهد في مُقبل الأعوام، لا محالة، حالات اكتظاظ وازدحام وتدافع كما يحدث بكبريات التظاهرات العالمية..،مع ما ينتج عن ذلك من صعوبات، قد تعترض بعض الحجاج، خصوصا في أماكن مثل مِنى. لذلك وجب على مَن”نوى” أن يحجّ إلى بيت الله، الاعتقاد بأنّ تأدية هذه الشعيرة، تتطلب توفر الحد الأدنى من الصبر والقدرة على الصفح والعفو عند المقدرة، وتجاوز أي تقصير محتمَل، سواء من أشخاص ذاتيين أو معنويين.

إن غايات ومقاصد الحج السامية، تفترض في مَن نوى تأديته أن يترفّع عن صغائر الأمور، ويتغاضى عن الهفوات والأخطاء، و حتى التجاوزات المحتمَلة. طلما أن الواحد منا حين يقصد الأرض المباركة، ليختلي إلى نفسه، ويتقرّب إلى ربه، بالنية الصادقة و حب الخير له ولغيره، بتكافل و تضامن لتجاوز كلّ ما من شأنه أن يشوّش على مناسك الحجّ، وليس”الهبش” و النبش، وتصيّد العثرات من أجل الإساءة.. و لاشيء غير الإساءة..

فو الله لو تحول الناس جميعا إلى كناسين، ليثيروا التراب على سماء الإسلام وفريضة الحج وعلاقة المغرب بالسعودية، فسيثيرون التراب على أنفسهم و تبقى تلك السماء، هي تلك السماء، ضاحكة السن بسَّامة المحَيا….

حجكم مبرور وسعيكم مشكور.

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *