“إنكم تكتبون الفصل ما قبل الأخير في المعركة الشرسة من أجل الديمقراطية”، بهذه العبارة، سيختزل عبد الرحمان اليوسفي، الزعيم الحقوقي والسياسي، عمل هيئة الإنصاف والمصالحة، وموثقا مذكراتها في كتاب”كذلك كان”، يستعدان إلى جانب فريق تحر عن حقائق ماضي انتهاكات حقوق الإنسان، لدخول المركز السري السابق،”درب مولاي الشريف”بالدار البيضاء…

يكشف كل من أحمد شوقي بنيوب، الخبير الدولي في العدالة والانتقالية، وامبارك بودرقة قطب رحى فريق تحريات هيئة الإنصاف والمصالحة، من خلال كتابهما “كذلك كان”، فيض من الحقائق والأسرار، منها ما هو غير مسبوق النشر، حول العدالة الانتقالية في التجربة المغربية، والتي شملت كشف الحقيقة أولا، حول ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، في الفترة الممتدة ما بين 1956 و1999، قبل جبر الضرر وطي صفحة ماضي سنوات الجمر والرصاص.. لبناء مغرب متصالح مع تاريخه بكل جرأة وثقة في المستقبل..

لقد كانت الإرادة السياسة عند الملك محمد السادس، في إنجاح تجربة العدالة الانتقالية في أول بلد عربي إسلامي، يتبنى هذه الألية الحقوقية، حاضرة بقوة في العمل التوثيقي لمذكرات هيئة الإنصاف والمصالحة، كما عرض لها شوقي وبودرقة في مؤلف”كذلك كان”، لا بل لقد نقل الكاتبان، بكل أمانة أخلاقية، وحياد حقوقي و شجاعة أدبية.. عدد من التدخلات الشخصية للملك محمد السادس، لتمكين رفاق الرمز الحقوقي، إدريس بنزكري، أو”مانديلا العرب”، من وثائق كانت إلى وقت قريب من التنصيب الملكي للهيئة، سرا من أسرار الدولة..

كان من أقوى تجليات الإرادة الملكية، في طي انتهاكات الماضي، وكشف الحقيقة، كما ورد في محطات مختلف من كتاب”كذلك كان”،  ما ورد في رد الملك، على استئذان إدريس بنزكري، في شأن استخراج الرفات من مقبرة الوقاية المدنية بالدار البيضاء، داخل 24 ساعة، إذ خاطبه الملك وهو في زيارة رسمية إلى اليابان، بعبارة شهيرة عند أعضاء الهيئة وهي: ” VOUS FONCEZ”. “ما يفيد الإقدام و مواصلة العمل “.

أُطلقت هذه العبارة، التي أشفعت بالعبارة الأشهر للملك، والتي قال عبرها”إن الشعب المغربي يجب أن يعرف الحقيقة”…. يد رفاق بنزكري، لاستدعاء كل من يفيد في كشف حقيقة ملف المهدي بن بركة، وغيره ملفات سنوات الجمر والرصاص…بربوع المملكة، ومنها الانتهاكات الجسيمة التي عرفتها الأقاليم الجنوبية المغربية وبمنطقة الشمال، حيث قاد بنيوب “كومندو الحقيقة” بالصحراء و اقتحم”لمعلم إدريس” كما كان يصفه، جدران الصمت بالريف بثلاثة فرق وهي فرق:” التحريات، جبر الضرر، الأبحاث والدراسات”.

تكريما لروح الراحل “لمعلم إدريس”، الذي حلت ذكرى رحيله هذه الأيام، تعيد صحيفة le12.ma ، نشر، المهام البطولية لأعضاء هيئة الإنصاف والمصالحة، في كشف حقيقة انتهاكات الماضي وتجربة الإنصاف والمصالحة، كما وثق لها مؤلف “كذلك كان”، وتكشف استنادا إلى هذا العمل التوثيقي، الذي يكرم ضحايا انتهاكات الماضي وجنود إنجاح العدالة الانتقالية، أسرار أشهر وأعقد ملفات سنوات الجمر والرصاص، التي طبعت مراحل الجنرال الدموي اوفقير والدليمي وإدريس البصري.. وهي المهام التي كان يعلق الرحل إدريس بنزكري، على نجاح عضوات وأعضاء هيئة الإنصاف والمصالحة في أدائها، بقولته الشهيرة “العظمة”.  القولة، التي ظل يرددها ابتهاجا بكل خبر سار حول العدالة والانتقالية بمملكة محمد السادس، بابتسامته المعهودة حتى وهو على فراش المرض اللعين…

موضوع الحلقة السادسة، يدور حول كواليس لقاء فريق بنزكري مع شاهد على مجازر مقبرة شهداء “كوميرا” التي أخفها البصري عن الملك، وقتلى أحداث الدار البيضاء عام 1981 التي دفن ضحاياها في ملعب ثكنة الوقاية المدنية بالمدينة، التي كانت لعقود طوال سرا من أسرار الدولة. وكواليس إستخراج رفاث الشهداء  والبداية من هنا.

محمد سليكي

تفعيلا لموافقة الملك، سيفي المرحوم إدريس بنزكري، بوعد استخراج رفات شهداء أحداث 20 يونيو 1981 بالدار البيضاء، فكان القرار يوم 10 دجنبر 2005، بمناسبة ذكرى صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

سيخبر الراحل، بنزكري، شوقي بنيوب، بقرار تكليفه بالانتقال إلى ثكنة الوقاية المدنية بالدار البيضاء، وأن صلاح الوديع، سيحضر معه، مطالبا إياه بالانتباه إلى أدق التفاصيل، وموافاته بتقرير حول العملية بمجرد انتهائها….

وصل شوقي وصلاح الوديع، إلى مدخل مقر ثكنة الوقاية المدنية، الكائن بالصخور السوداء بالدار البيضاء، على الساعة الثامنة صباحا، حيث كانت كل الممرات إلى المكان مطوقة بحصار أمني.

كان في مرافقتهما، رئيس الثكنة، إذ على الرغم من العدد الكبير للحاضرين بمكتبه، إلا أن الصمت كان سيد الموقف، قبل أن يبادر إلى تقديم هذه الشخصيات، ومنها الوكيل العام للملك لدى إستئنافية الدار البيضاء،العلوي البلغيثي، ونائبه الأول عبد الرزاق السندالي، والجنرال عبد الكريم اليعقوبي قائد الوقاية المدنية، وعبد الحق ينضراوي عامل مقاطعات عين السبع الحي المحمدي ومساعده المختار البقالي القاسمي رئيس قسم الشؤون العامة لولاية الدار البيضاء، وعبد الرزاق مريزق المندوب الجهوي للشؤون الإسلامية، وعبد الله الوردي، رئيس المصلحة الولائية للشرطة القضائية، والدكتور، هشام بنيعيش، رئيس معهد الطب الشرعي وفريقه.. وفريقين للتنقيب عن الوقاية المدنية، وثلاثة ضباط من نخبة الشرطة العلمية..

انتقل الحاضرون، إلى المكان المفترض للمقبرة الجماعية، وهو ملعب لكرة القدم داخل الثكنة،… وبعد ذلك طالب الوكيل العام  بإحضار شخصيين من حفاري القبور المدلى بإسميهما..حيث وضعا رهن إشارة شوقي، وصلاح الوديع.

توجه شوقي إليهما بالاستفسار التالي:”ماهي الطريق التي كانت تسلكه الشاحنة القادمة بجثامين الأشخاص، قبل الدفن هنا بمقر الوقاية المدينة؟ .. فكان الجواب هو جهة من الملعب.

أمر الوكيل العام، فرقة الوقاية بالشروع  في الحفر… وما هي إلا ساعة زمن، وبعد حفر ممتد لمتر ونصف في عمق الأرض، حتى ظهرت أول قطعة ثوب بلون أديم الأرض….

إستمرت عملية الحفر… وبدأت عملية الاستخراج التدريجي، للهياكل العظمية البشرية،.. مما مكن من الوقوف على ستين هيكلا، يفيد وضعها أنها كانت مكفنة، بالمقابل لوحظ أن باقي الهياكل لم تكن على نفس الوضع، بل متشابكة..

تقدم الشاهد إلى شوقي،.. مصرحا له بأنه حضر عملية الدفن يوم وصول الجثاميين في الأيام الموالية للأحداث في يونيو 1981، وانه بصفته موظفا آنذاك كان ضمن فريق متنوع يستقبل الشاحنة التي كانت تنقلها.

أكد الشاهد، أن الجثث في  مرحلة أولى كانت تصل مكفنة، وفي مرحلة ثانية وصلت بشكل مخالف، متذكرا، أنه في منتصف ذات الليل، وصلت طائرة” هيلكوبتر”،ونزل منها وزير الداخلية إدريس البصري، وبعد معاينته للوضع صرح قائلا:”وسعوا الحفرة ورميوا الجثث ملحا على الإسراع بتسوية الأرض”

رجحان هذه الرواية، تؤكدها رواية طلب الملك الحسن الثاني، المدير العام للأمن الوطني، إجراء بحث دقيق حول أحداث الدار البيضاء، .. إذ بعد عرض نتائجه على الملك، تلقى التقرير المفصل المنجز.. وهو في حالة هلع شديد، حيث نادى على وزير الداخلية باستعجال موبخا إياه بشكل عنيف على حجبه حقيقة الأفعال الحاصلة عليه.. وبعد ذلك اتصل البصري والدليمي، بمدير الأمن وبررا له إخفاء حقيقة ما جرى عن الملك، بدعوى الحفاظ على سلامته الصحية، وعاتباه على مبادرته المنفردة، دون الرجوع إليهما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *