عبد الرزاق بوتمُزّار

ح. 7


عندما أضاعُوني..

 

عند نهاية السّنة الدّراسية وظهور نتائج المُوحَّد، التي حكمتْ عليّ بالرّسوب لأنّني دون المُعدّل المطلوب بنسبة ضئيلة جداً؛ حمدتُ الله كثيراً، في ما بعدُ، على أنّني لم أصَبْ، خلال ذلك الصّيف البعيد، بالجُنون!..

مع كلّ استهتاري ولامُبالاتي بقيمةِ الموادّ العلمية، كان مُستواي، في المقابل، جيّداً في الموادّ الأخرى؛ ومن ثمّ فقد حصلتُ في مجموع النقط على معدل 11.04، لكنّني رسبتُ! أتدْرُون لماذا؟ لأنّ إدارة المُؤسَّسة حدّدتْ سقفَ 11.05 لضمان النجاح!

كانتْ تلك أولى صدماتي في مشواري الدّراسي. لم يستطع عقلي الصّغير أن يستوعبَ كيف أرسُب ونقطتي فوق المعدَّل! وحتى إذا سلّمنا بأنّني لم أصل إلى النقطة المُحدَّدة من إدارة المؤسَّسة فكيف يُعقَل أن يُوجِبَ جزءٌ ضئيل وسخيف مثل هذا رُسوبي؟..

أسئلةٌ كثيرةٌ تلاحقت، حينذاك، في ذهني المُشوَّش إلى أن كادت تُفقدني صوابي. لكنّ أحد الإداريّين شرح لي، في ما بعدُ، الحقيقةَ المُرّة كاملة: تَلاعبَ بمصيري أستاذُ الرّياضيات ومُدير المُؤسَّسة! كان أمام هذا الثنائي خياران لا ثالثَ لهما: أن أنجح وترْسُب شقيقة الأستاذ، التي كانت تدرُس معي في الفصل نفسِه، أو أن تنجح شقيقة الأستاذ وأرسب أنا! ولأننا في مغرب الأقوياء والمحسوبية والظلم، فقد كان الخيارُ الثاني، الملعُون، كما مَن اختاراه، هو المَخرَج. انتقلتْ أخت الأستاذ إلى الثانوي وبقيتُ أنا مكاني، أكابد تبعاتِ الصّدمة على نفسيتي الغضّة.

عرفتُ، في ما بعدُ أيضا، أنّ أساتذتي استماتوا في الدّفاع عن حقي في النجاح، خُصوصاً أستاذَي العربية والفرنسية؛ “لكنْ اللهْ غالبْ”! كما شرح لي أحد الأستاذين أياماً بعد حادثة رسوبي الغريبة.

غلبتْ قصّتي على أحداث تلك السّنة الدّراسية؛ تداولتْ حكايتي الألسُن وحظيتُ بتعاطف كبير.

بعد هدوء العاصفة، حاول أفراد الأسرة أن يُقنعوني بضرورة تجاوُز تلك الكبوة والتّفكير في الموسم المُقبل، لكنّني لم أكن أزداد إلا عناداً ورفضاً لمُتابَعة الدّراسة، خصوصا في حجرات تلك الإعدادية. وبعدما لمس فيّ والدي كلّ ذلك العناد، انفرد بي، ذاتَ مساء، في سطح المنزل، حيث كان يحلو له أن يختليّ بنفسه، وحاول -بكل ما أوتيّ من حُجج وحكمة وهدوء- أن يجعلني أعُدّ ما وقع قدَرا مكتوباً، لكنْ دون جدوى. وأذكر أنّ تلك كانت أولَ مرّة أتحدّاه فيها وجهاً لوجه في أحد الأمور المصيرية.

بعدما استشفّ مدى إصراري على موقفي، حاول إنهاء النقاش بأن ْصرخ في وجهي:

-إذا لم تعد راغباً في الدّراسة فاتركها، إذن، وسترى ماذا ينتظرك!

رغم جميع مُحاوَلاته، ازداد إصراري على رفض مواصلة الدّراسة في تلك المؤسَّسة؛ فلم يجد حينذاك إلا أن يلعب آخرَ أوراقه:

-إيوَا، أسيدي، ما بْقى ليكْ غيرْ تخرجْ مْن لمدرسة وتْولّي بْغل يْحرثُو عْليك سْيادكْ!

-إيلا كانْ غيرْ فْ هاديك لمدرسة، أنا مْستعدّ نْولّي حْمارْ ﯖـاعْ ويْحرْثو عْليّ، ماشي غير بغلْ!..

لم أعرف كيف تجرّأتُ على الرّد عليه بتلك الطريقة. استشاط غضباً؛ عدّلَ جلسته وطردني من خُلوته الأزلية.. ولم نعدْ، أبداً، إلى الحديث في الموضوع.

مرّ عليّ العام المُوالي طويلاً ومُضجراً؛ توّجتُه بإخفاقي الثاني في القسم نفسِه؛ ليقرّر أفراد أسرتي، في الأخير، تنقيلي إلى مُؤسَّسة أخرى، خوفاً على “مستقبلي الدّراسي” من مزيٍ من الضّياع..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *