حسن البصري

بعيدا عن لغو إقصاء منتخبنا المحلي وجدل المحللين وغضب المشجعين، ندعوكم للتوقف عند خدمة إنسانية وفرتها اللجنة المنظمة لكأس العرب بدوحة قطر، حين مكنت المكفوفين وضعاف البصر من متابعة المباريات من الملاعب عبر خدمة الوصف السمعي للمباريات، والاستمتاع من المدرجات بحماس المواجهات على غرار باقي المشجعين المبصرين.

قمة المساواة أن ترى في ملاعب كأس العرب كفيفا له الحق في الفرجة، حتى وإن ذهب الرب بنور بصره وحرمه من حاسة لا تكتمل الفرجة إلا بوجودها. في مقعده يحظى بفرصة الاستماع بتعليق يقدم وصفا دقيقا لما يجري حوله، بدءا بتشكيلة الفريقين وألوان قمصانهم وتقاسيم وجوه المدربين وتفاعل المشجعين. 

لم يعد الكفيف في حاجة إلى مرافق مبصر، يتحول إلى معلق “خصوصي” يقدم تفاصيل المباراة همسا لرفيقه، واصفا تحركات اللاعبين وأجواء المواجهة يرفع إيقاعها على هواه وسجيته تم يعيدها إلى رتابتها حين يتسلل إليه العياء.

اليوم تغيرت الأحوال وأصبحنا أمام ملاعب لا توفر صبيب الأنترنيت فقط بل توفر صبيا مرتفعا من الكرامة، لقد ولى زمن كان المنظمون يمسحون بكرامة المشجع الأرض، وحين يوفرون مرحاضا يحرصون على تدشينه في مراسم رسمية، وفي الأسبوع الموالي تتعطل الصنابير.

حين يحن قلب منظمي مباريات الكرة في ملاعبنا، يسمحون بولوج أشخاص في وضعية إعاقة جسدية إلى جنبات الملعب، يصطفون بكراسيهم المتحركة في مشهد هجين أقرب إلى تجمع أمام مركز للمعاقين، وحين تنتهي أطوار المواجهة يساقون إلى خارج الملعب تطاردهم تعليمات إجلاء المندسين في المستطيل الأخضر.

في زمن الملاعب الذكية يمكن للضرير أن يلمح الحزن في تضاريس صوت المنظمين، وأن يعيش تفاصيل الفرجة بكرامة دون الحاجة إلى مرافق. إن أعمى اليوم ليس هو أعمى الأمس، بعد أن أصبح الحق في الفرجة حقا تكفله المواثيق الدولية وليس صدقة جارية، أعمى هذا الزمن يتحول بعيدا عن الحفرة حيث يسقط المبصر. 

للأمانة فقد كانت روسيا سباقة لخدمة المشجع الضرير، حيث خصصت مقاعد لهذه الفئة في المونديال، وجعلتهم يعيشون بحواسهم متعة كأس العالم.

وفرت روسيا أيضا تجربة “رفيقة الكفيف” حيث جندت عشرات المتطوعات الحسناوات لمرافقة كل ضرير يود متابعة مباريات المونديال، قبل أن تكتشف ارتفاع عدد المكفوفين الذين تسلل إليهم دفء غريب من أنامل المرافقات. 

كثير من ملاعب بلادي، إذا دخلها الكفيف فهو مفقود وإذا غادرها فهو مولود، في بلادي منتخب للمكفوفين وضعاف البصر حائز على كأس إفريقيا لفاقدي نعمة البصر، لكن لا يسمح للاعبيه بدخول الملاعب إلا بوجود مرافق في يده تذكرتان. 

يجد المتفرج المكتمل الحواس صعوبة في ولوج مدرجات الملاعب حين يتعلق الأمر بمباريات عالية الضغط، يقف في البوابة أشداء لا يرفعون الحواجز إلا للأسوياء، يكنون عداء دفينا لذوي الاحتياجات يؤمنون بالقول المعتوه “لا يعرج ولا يعور”، لديهم قناعة بأنه حين تمنح الأعمى عينيك يطالبك بحاجبك، ينطلقون من مبدأ الكل يرى إلى أن يثبت العكس.

لا يستحضر واضعو تصاميم ملاعبنا المشجع الضرير، يستبعدون وجوده بين المناصرين وكأنه محروم من نعمة المشاعر مقصوص الوجدان، لا يؤمنون إلا بالتعصب الأعمى والحب الأعمى والجشع الأعمى.

كثير من المبصرين دخلوا الملاعب بعيون سليمة وغادروها بعاهة مستديمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *