*حسن البصري

 

بالأمس القريب بايعوك مدربا ومربيا ومنظرا، وتسللوا إلى مكتبتك ليكشفوا عن نباهتك ويبشروا العالم بمدرب بدرجة من صنف آخر.

بالأمس وضعوا على ذراعك قياس ضغط الوطنية وأجمعوا بأنك تعاني من ارتفاع منسوب حب الوطن. وحجز لك بعض المتعاطين للصحافة جائزة “مدرب السنة” قبل حفل التتويج، وقال الراسخون في قراءة كف المنتخبات، إنك البديل المنتظر لوحيد القرن.

أحد الصحفيين، ممن استرضع خمرا، عاد إلى ألبوم صوره وظل على امتداد كأس العرب يقنعنا بعمق العلاقات الراسخة بينه وبين مدرب منتخبنا المحلي، وبعد الخسارة استحل الشتم جهرا، وعلى حائطه كتب بالفحم مسودة فسخ العقد مع مدرب آمنه من خوف وأطعمه من جوع. 

إذا أخطأ مدرب حاكموه أو أقيلوه، وإذا أخطأ لاعب جردوه من شرف حمل قميص الوطن، لكن لا تصادروا في جوفه “منبت الأحرار”. لا تقبلوا سيف رئيس الجامعة وطغمته، فالكرة عند شعوب العالم الثالث مفخرة وعند حكام الكون ثرثرة.

بعد الخسارة أمام الجزائر تبرأ الناس من منتخب أحبوه، جلسوا وراء حواسبهم يطلبون الصفح يخفضون جناح الذل يرجون المعذرة، منهم من اعترف بسوء التقدير ومنهم من أساء التطبيل.

حين تناقش بحكمة هفوات مدرب أو لاعب أو رئيس جامعة، يصغي لك الناس بعقولهم ووجدانهم، لكن عندما تمسح الهزيمة في مكلف بالأمتعة أو معد ذهني أو معلق ينقل الوقائع بالصوت والصورة، أو حارس بوابة الجامعة، فتلك أم الهزائم.

مسحوا الإقصاء في مشجع اسمه نور الدين فلاح، اقتادوه إلى ساحة الجلد، قرأ عليه الفايسبوكيون نص قرار الإدانة، وانتظروا حضور مفتي الجامعة ليمنحهم ترخيصا بالجلد، نزعوا عنه لون قميص المنتخب وقالوا له:

“أنت مدان بتهمة التقواس دون نية إحداثه، وتكوين “عصابة” مشجعين، وحمل طربوش روسي غير مرخص، واستيراد طبل بدون أداء الرسوم الجمركية”.

استسلم الرجل للقرار والتمس من الجلاد دفنه في معسكر المنتخب المغربي ولف جسده بعلم وطن سكنه.

كلما اتهمه الماكرون بالتطير، يصرخ “ظلمي”، قيدوم مشجعي المنتخب الوطني، بأعلى صوته قائلا:

“أنا بريء”، فيحاولون عبثا مصادرة صيحاته وإجباره على ابتلاع لسانه ومنعه من السفر.

هذا المشجع هو نموذج للمواطن البسيط المكافح، خرج من عمق حي شعبي هامشي بالعاصمة الرباط، ناضل من أجل كسرة خبز، باع الجرائد والمجلات والجوارب وتاجر في تذاكر الملاعب، ونال صفة بائع متجول في العاصمة الرباط وما جاورها، لكنه لم يبع ذمته.

وقف نور الدين فوق خشبات المسرح لينتزع الابتسامة من الأفواه، رغم أن الحزن يتربص به ذهابا وإيابا، قبل أن يركب البحر ليصبح تاجرا متجولا في إيطاليا ولاجئا في فرنسا.

عذرا يا ابن هذا الوطن، فأنت متهم إلى أن تثبت “براعتك” في حشد العزائم، عذرا إذا اعتقد البعض أن الدخان المتصاعد فوق المنتخب آت من طبلك، وليس دخان قنابل الغاز المسيل للدموع.

دعونا نلتمس العذر من عشرات المشجعين الذين حجزوا تذاكر السفر إلى الدوحة، وحجزوا غرفا في الفنادق، وحجزوا مقاعد في الملاعب، قبل أن تنتصب في وجههم حواجز “ممنوع السفر”، إلا لرئيس القوم وزبانيته لأنه يملك طائرة وربانا ومضيفة وتصريحا بركوب الأجواء.

رجاء لا تصدقوا “المؤثرين” حين يطلبون منا التوجه إلى المطار لاستقبال المنتخب ورمي الجمرات.

عذرا يا وطني فما زال في بلدي رجال يستحقون الظفر بجائزة اقترحها نوبل، وآخرون يستحقون الديناميت الذي اخترعه.

*كاتب صحفي -رياضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *