جواد مكرم

 

دعا حكيم بن شماش، رئيس مجلس المستشارين، اليوم الجمعة في الرباط، مختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين المنتمين إلى القارة الافريقية إلى الإسهام في بناء قارة إفريقية قوية تقوم على مبادئ التضامن والتعاون والشراكة، بهدف تحقيق التطور المنشور للقارة.
وحث بن شماش، في الكلمة الافتتاحية للملتقى الإفريقي الأول للتجارة والاستثمار، الذي احتضنه مجلس المستشارين، هؤلاء الفاعلين على الوقوف في وجه كل التحديات والمشاكل التي تعترض مختلف أشكال التعاون والتبادل بين البلدان الافريقية، حتى تتمكن من ممارسة سيادتها وتعزيز العلاقات السياسية القائمة على الاحترام المتبادل وإرساء شراكات متنوعة ومثمرة، والتفكير في إحداث آليات التنسيق في ما بينها وآليات التنسيق في تعاملاتها مع التكتلات الاقتصادية في العالم.

وشدد بن شماش، خلال هذا الملتقى الذي تنظمه غرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة الرباط -سلا -القنيطرة، على ضرورة البحث عن الحلول من أجل تمويل الاستثمار وتوفير فرص لقاءات مستقبلية مباشرة بين المؤسسات الإفريقية للتنمية الاقتصادية والبنوك وصناديق رأس المال والمخاطر وصناديق الاستثمار، وتجاوز صعوبات قوانين الصرف، وتدعيم الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف بما يسهم في دعم وزيادة الاستثمار والتجارة لأنهما يشكلان عاملان أساسيان إذا ما أرادت إفريقيا تحقيق النمو المطلوب للوصول إلى الأهداف الإنمائية للألفية.
وذكر بن شماش، في هذا الصدد، “بما يمكن أن يلعبه إرساء منطقة التبادل الحر (بعد تمام المصادقة على الاتفاقية المنشئة لها) التي تشكل أحد المحاور ذات الأولوية لأجندة 2063 للاتحاد الإفريقي التي وضعت رؤية جديدة لتنمية القارة خلال العقود الخمسة المقبلة، عبر نمو شامل وتنمية مستدامة، إذ ستمكن من إنشاء سوق قارية واحدة للسلع والخدمات، مع حرية حركة رجال الأعمال والاستثمارات في أفق تمهيد الطريق لتسريع إنشاء الاتحاد الجمركي الإفريقي.
وقال المتحدث ذاته إن منطقة التبادل الحر تسعى إلى توسيع منظومة التجارة البينية داخل إفريقيا من خلال تحسين تنسيق أنظمة وأدوات تحرير المنظومة التجارية وتسهيل مساطرها في جميع المجموعات الاقتصادية الإقليمية وجميع أنحاء القارة. كما ستسهم في رفع نسبة التبادل التجاري بين الدول الإفريقية إلى 52% والاستفادة من سوق عملاقة يصل عدد المستهلكين فيها أزيد من 1.2 مليار شخص. سيتم، أيضا، تعزيز الصادرات الزراعية والصناعية وتوفير آلاف الفرص الاستثمارية وملايين الوظائف. وهي أمور من شأنها خلق عوامل تجانس قاري من أجل تقوية المناعة الاقتصادية لدول القارة والتأسيس لنموذج إفريقي جديد للتكامل الاقتصادي مبني على أسس براغماتية تستهدف المصلحة الفضلى للمواطن الإفريقي.

وأضاف رئيس مجلس المستشارين أنه إلى جانب كل هذا، ينبغي العمل على تقوية البنية التحتية القارية والارتقاء بها إلى “منصة لوجستيكية إفريقية” من جل تسهيل حركة السلع ورجال الإعمال، بالموازاة مع العمل على تقوية المقاولات المبتكرة والتوجه نحو المهن الجديد كالمهن الرقمية ومهن الذكاء الاصطناعي.

وأكد بن شماش أن “المدخل الحقيقي للنجاح في هذه المهن العالية القيمة المضافة هو بناء والاستثمار في الإنسان الإفريقي، وخاصة الشباب(42% من سكان القارة في سنة 2030) من أجل الاستفادة من فرص العائد الديمغرافي لخدمة تطور التجارة والاستثمار بقارتنا كما دعا لذلك صاحب الجلالة الملك محمد السادس في رسالته لمنتدى كرانس مونتانا، إذ أكد جلالته “أن هذا الجيل من الشباب، هو الذي سيبني إفريقيا الغد، وهو الذي سيسهم في توطيد السلم والاستقرار وفي تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية للقارة” وأضاف جلالته أن “شبابنا في حاجة إلى العناية به، وتكوينه، وتحميله المسؤولية، بل وإعطائه ما يستحق من قيمة”.

وشدد بن شماش على ضرورة العمل على تقوية البنية المالية الإفريقية وتعزيز اندماجها، من خلال التوجه نحو خلق صناديق استثمار خاصة بتعزيز الاستثمار والتجارة البينية الافريقية من أجل تسهيل عمليات التمويل وتبسيط المساطر الخاصة بتدفقات رؤوس الأموال بالقارة، بجانب إرساء دعائم نظام بنكي جديد يتسم بالمرونة في الأبعاد المتعقلة بالتجارة البينية القارية.
ونبه بن شماش إلى أنه “رغم ما تم القيام من مجهودات من أجل تقوية منظومة التجارة الداخلية وتوسيع الاستثمار في قارتنا، فإأن ذلك لا يرقى إلى مستوى طموحات شعوبنا الإفريقية. فمثلا، تضل حصة التجارة داخل القارة من إجمالي التجارة الإفريقية ضعيفة نسبياً ولم تتغير كثيراً في العقود الأخيرة. ففي 2016، بلغ حجم التجارة الإفريقية 1.08 تريليون دولار كان نصيب التجارة البينية الأفريقية منها 156.94 مليار دولار أي حوالي 15% فقط من إجمالي التجارة، بينما تصل هذه النسبة إلى 67% في الاتحاد الأوربي. وعلى مستوى الاستثمار، “سجل انخفاض مقلق في تدفقات الاستثمار المباشر الأجنبي من 52.5 مليار دولار في 2016 الى 42 مليار دولار في عام 2017 بانخفاض قدره 21%. بينما عرف الاستثمار البيني الإفريقي تطورا ملحوظا ليتضاعف ثلاث مرات في العشر سنوات الأخيرة ويصل ل وصل إلى أزيد من 12.1 مليار دولار سنة 2018. ولعبت بلادنا دورا محوريا في هذا التطور، إذ انتقل الاستثمار المغربي في إفريقيا إلى أزيد من 66%، لتصبح بلادنا أهم مستثمر إفريقي في إفريقيا”.

في السياق نفسه، قال رئيس مجلس المستشارين إن “تعزيز روابط التضامن والتعاون، بكل أبعادهما بين بلدان القارة الإفريقية، يشكل محورا رئيسيا للسياسة الخارجية المغربية كما رسمها صاحب الجلالة الملك محمد السادس وتشكل الزيارات المتعددة التي قام بها جلالته إلى مختلف الدول الافريقية دليلا على الإرادة الملكية لترسيخ وتعميق جذورنا الإفريقية بشكل أكبر في القارة التي ننتمي إليها بفعل الروابط التاريخية التي توطدت منذ قرون. كما تبرز هذه الزيارات أيضا الاهتمام الخاص الذي يوليه جلالته لتعزيز التعاون جنوب -جنوب بإحاطة إفريقيا بعناية خاصة من منطلق أنها تشكل امتدادا طبيعيا وجغرافيا -سياسيا للمغرب”.

وتتجدد هذه الشراكة الاستثنائية، التي بنيت منذ القدم من خلال المبادلات الثقافية والدينية، وأصبحت تقوم حاليا، من أجل ضمان ديمومتها، بحسب المتحدث نفسه، على تعاون اقتصادي رابح -رابح وكذا على التنمية البشرية وتقاسم التجارب.

وأشار بن شماش إلى “بعض المبادرات الأخرى الدالة التي قام بها المغرب وبالخصوص مبادرة جلالة الملك، منذ السنوات الأولى لتوليه العرش بإلغاء ديون المغرب المستحقة على الدول الإفريقية الأقل نموا، وإعفاء منتوجاتها الواردة إلى المغرب من الرسوم الجمركية، ما حظي بإشادة دولية واسعة، خاصة أن قضايا التنمية المحلية للدول الإفريقية تأتي في صلب انشغالات المملكة. كما لا يجب أن ننسى العمل المتميز الذي قام به جلالته أيضا في مجال تطوير الشبكات التجارية لفائدة المستثمرين في قارتنا الإفريقية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *