سلا -عبد الله الشرقاوي

 

أضحت ملفات مكافحة الإرهاب، المدرجة أمام محكمة الاستئناف في الرباط، كمحكمة وطنية مُتخصصة في هذا النوع من النوازل، تُعرَض كالقضايا الجنحية من حيث كثرة عددها، في ظل تفريخ وتناسل الظاهرة الإرهابية وتوالي حالات العود ووجود «فيالق» من المقاتلين المغاربة في بؤر التوتر…

ويتكلف القضاء بمعالجة ما يعرض عليه من خلال غرفتين أساسيتين، الأولى على مستوى الدرجة الأولى، برئاسة الأستاذ عبد اللطيف العمراني، يوم خميس من كل أسبوع، والغرفة الأحرى تتعلق بالدرجة الثانية من التقاضي، برئاسة الأستاذ يوسف العلقاوي، والتي تنعقد كل يوم أربعاء.

لكن هذا المرفق يعاني من بعض الإشكالات تغيب بغيابها توفر أجواء العمل الملائمة، سبقت إثارتها لكن وزارة العدل لم تعرها أي اهتمام. وسنواصل القيام بدورنا إلى أن يتضح الخيط الأبيض من الأسود دون كلل أو ملل، لأن الله يحب العبد الملحاح.

وسنذكّر وزارة العدل والجهات المعنية بإصلاح منظومة العدالة ببعض المعيقات التي لا تساعد على العمل في أجواء مقبولة ومنطقية، على ضوء ما حدث إبان انعقاد جلسة يوم الأربعاء 13 مارس 2019، إذ أصيب الأستاذ يوسف العلقاوي، رئيس الغرفة الجنائية الاستئنافية المكلفة بقضايا مكافحة الإرهاب، بجروح في أنفه، وتكسّر زجاج نظاراته، إثر محاولته تشغيل مُكبر صوت مُعطل في قاعة فسيحة لكنْ غير مجهزة بالأضواء الكافية ومكيفات الهواء. بحيث أنتا في فصل الشتاء نرتعد من شدة البرد وفي الصيف نختنق بالحر..

وظل الأستاذ يوسف العلقاوي يُكمد جروح أنفه ويعدل نظارته التي كسرت إحدى زجاجاتها نتيجة عدم تثبيت أسلاك مكبر الصوت جيدا، علما بأن مثل هذا المكبر غير موجود في منصة الدفاع وقفص الاتهام حيث يمثل المتهمون، والذي يتم توفير أعداد كافية منه في المناسبات الرسمية أو في المحاكمات التي يتابعها الأجانب أو تستأثر باهتمام إعلامي.

إن عدم توفر أجواء العمل في أقرب محكمة إلى مقر وزارة العدل، وفي العاصمة الإدارية للمملكة يتجلى، أولا، في غياب وتعطل وندرة المكيفات الهوائية، ما يجعل قاعات الجلسات مختنقة صيفا وشديدة البرودة شتاء، وثانيا، في انعدام «الشواش» لمساعدة القضاة والمحامين على أداء عملهم، وهي المهمة التي أضحى يتكلف بها بعض رجال الأمن بدون مقابل، وخارج مهامهم القانونية، لكون وزارة العدل لم تجد بديلا بعد تغيير الإطار الوظيفي لهؤلاء الموظفين.

في هذا الصدد وقعت، مؤخرا، مناوشات في إحدى قاعات استئنافية الرباط، جعلت رجال الأمن يمتنعون عن أداء دور «الشاوش» بين رئيس الهيئة القضائية وكاتب الضبط من خلال التوقيع على محضر الجلسة.

إن قضية ندرة وغياب «الشواش» في قاعات جلسات المحاكم لا تُطرح فقط على مستوى المعاناة الحقيقية للقضاة ومساعديهم، والتي سبق أن أشرنا إليها مرارا، لكن الآذان مازالت صماء، وإنما تمتد إلى مسألة شكليات انعقاد مجلس القضاء في محاكم المملكة، بما في ذلك مسألة لباس الشواش، وهي طقوس مؤطَّرة بموجب القانون.

ومن بين مشمتلات معيقات العمل نذكر ضيق المكاتب وقاعات المداولات، وندرة وغياب المراحيض في المحاكم وعدم إصلاحها، والتي يغلق بعضها بالأقفال بعد مغادرة الموظفين عملهم، في الوقت الذي تستمر فيه المحاكمات. وسبق أن أشرنا إلى وضعية بحث قاض عن مرحاض وتعفن واحدة يستعلمها المعتقلون والمتقاضون والقضاة ومساعدوهم…

هذه بعض الأمثلة لغياب أجواء العمل، المتسم بالضغط الكبير للملفات المعروضة، والتي يطرح بشأنها مسألة الكم والكيف، وإشكالية المساعدة القضائية في عدد من الملفات، وغير ذلك مما سبق أن تناولناه استنادا حتى إلى تقارير رسمية، بما في ذلك ورقة كانت قد أعدتها وزارة العدل في عهد وزير العدل الأسبق عمر عزيمان، ومستحداث إحداث صندوق لفائدة المحاكم في التسعينيات.

كما تساءلنا عن الميزانية المخصصة لمحكمة الاستئناف، كمحكمة وطنية مختصة للنظر في قضايا الإرهاب، سواء في إطار الميزانية العامة للدولة المحالة سنويا على المؤسسة التشريعية، أو المساعدات الدولية بجميع أشكالها.

إن تخصيص ميزانية لتدبير وضعية محكمة مكافحة الإرهاب على الصعيد الوطني مسألة ضرورية وحتمية، لتجهيزها بآخر المعدات، بما في ذلك إحداث فضاء خاص بها يشمل جميع مرافقها، ويدعم التخصص، والتكوين، وتخصيص مكافآت وعلاوات وتحفيزات لجميع من يشتغل فيها… إلخ.

وفي انتظار أن تهتم وزارة العدل بمعالجة مثل هذه القضايا البسيطة، والتي هي في غاية الأهمية، وترجمة الحكومة ما سمّته «الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة»، نعود إلى غرفة الجنايات الإستئنافية المكلفة بقضايا مكافحة الإرهاب في محكمة الإستئناف في ملحقة سلا، التي عالجت يوم الأربعاء 13 مارس 2019 أربعة ملفات، من بين قضية حدث كان قد بعث رسالة نصية عبر هاتفه بعدما توصل بها من مرسل مجهول، والتي ترحب بانضمامه إلى تنظيم «داعش» والحاجة إلى الدفاع عن الإسلام، واختياره لكي يصبح فردا من مقاتليه الانتحاريين في المغرب العربي (…) وبرر المتابع فعلته بالمزاح والضحك مع ابن عمه…

وقد أيدت الهيئة القضائية الحكم الابتدائي الصادر في حق الحدث، المتابع في حالة سراح مؤقت، والذي يتابع دراسته بالسنة أولى ثانوي «جدع مشترك»، والقاضي بمؤاخذته بسنة حبسا موقوف التنفيذ.

كما أيدت الهيئة ذاتها حكما ابتدائيا قضى بمؤاخذة مرحَّل من إسبانيا بسنة حبسا نافذا وغرامة 10 آلاف درهم.

وكانت السلطات القضائية الإسبانية قد رحّلت المتهم المزداد في 1991 بعد الحكم عليه بـ18 شهرا، مع الإبعاد من إسبانيا إلى المغرب، بتهمة الإشادة بأفعال ارهابية، بعد نشره مقاطع فيدو تشيد بتنظيم «داعش» على حسابه في فيسبوك.

وكان المعني بالأمر قد سافر إلى إسبانيا في غضون 2006 ليستقر عند شقيقه، ثم في مركزين للإيواء، ليحصل في 2010 على بطاقة الإقامة صالحة لمدة سنة، وبعدما أصبح مشردا في شوارع مدينة سان سيباستيان عمد إلى تعاطي السرقة بالعنف والاتجار في المخدرات واستهلاكها، ليتم اعتقاله والحكم عليه بسبع سنوات سجنا نافذا…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *