أسماء حسن

قبل 6 سنوات غادر ابن مدينة طنجة البلاد، ليلتحق بصفوف تنظيم “داعش” في سوريا قبل أن يسقط في قبضة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) لدى محاولته الهروب نحو الحدود التركية.

تقول مريم زبرون والدة الشاب إن ابنها كان من بين المغرر بهم، وممن صدموا بمجرد أن وطأت أقدامهم أرض سوريا، قبل أن يقرر الفرار إلى تركيا وتلقي القوات الكردية القبض عليه، وتزج به في سجن الحسكة، شمال شرقي سوريا.

وعلى غرار باقي أسر المعتقلين الآخرين العالقين في بؤر التوتر سواء في سوريا أو العراق، تعقد مريم زبرون الأمل على أن تتم إعادة ابنها إلى المغرب ووضع حد لمعاناة طال أمدها.

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن 2577 مغربيا غادروا البلاد، وانخرطوا في تنظيمات إرهابية مختلفة داخل مناطق التوتر في الشرق الأوسط، ضمنهم 628 امرأة و 290 قاصرا.

فيما عاد 345 مغربيا إلى المملكة، وتمت محاكمتهم طبقا للقانون الجنائي الذي يدرج مجموعة من الأفعال ذات الصلة بمعسكرات التدريب ببؤر التوتر الإرهابية بوصفها جنايات يعاقب عليها القانون.  

السقوط في براثن التطرف           

غادر ابن مدينة طنجة، على حين غرة، و هو في سن لا يتجاوز 19 عاما أرض الوطن، نحو سوريا عبر الحدود التركية، وترك وراءه عائلة مصدومة من هول ما وقع، وغير مستوعبة للدوافع وراء القرار المفاجئ.

تحكي الأم لموقع “سكاي نيوز عربية” كيف لاحظت حجم التغير في سلوك ابنها والتزامه الديني، وطريقة لباسه، قبل سفره إلى سوريا، دون أن تفكر للحظة واحدة بأنه يحمل أفكارا ستقوده إلى مناطق التوتر، لاسيما في خضم ما أبان عنه من تفوق دراسي.

ولم يكن الشاب على حد قول والدته سوى ضحية عملية “تغرير”، مؤكدة أن  “تواصلها معه قبل الزج به في السجن أظهر لها ندمه على قراره، غير أن الحظ لم يسعفه في الفرار للتخلص من المأزق الذي وضع نفسه فيه”.

وتتمنى مريم زبرون أن يتم الإفراج قريبا عن ابنها المعتقل في سجون “قسد” وترحيله إلى المغرب قصد المحاكمة داخل بلاده، خاصة وأنه أدرك حجم الخطأ الذي اقترفه حين قرر الذهاب إلى سوريا.  

سجن بالمؤبد

وفي العراق، تقبع شابة مغربية تدعى ابتسام الحوزي في سجن الرصافة بالعاصمة بغداد رفقة طفلتها البالغة من العمر 3 سنوات.

تقول شقيقتها لـ”سكاي نيوز عربية”: “كانت ابتسام قد سافرت رفقة زوجها إلى تركيا في أواخر سنة 2015، لقضاء شهر العسل، ولم يتجاوز سنها 17 ربيعا، لتكتشف بعد ذلك أن تركيا كانت مجرد نقطة للعبور نحو العراق، وبالضبط إلى الموصل”.

وبعد مرور سنتين تقريبا، وقعت ابتسام في قبضة قوات البيشمركة الكردية وهي تحاول الهروب بعد أن توفي زوجها في إحدى المعارك، وتركها حاملا في أشهرها الأولى، حيث تم اقتيادها إلى سجن الرصافة وصدر في حقها حكم بالسجن المؤبد.

تقول شقيقتها التي فضلت عدم الكشف عن اسمها: “لقد حاولت العائلة جاهدة وبكل الطرق القانونية، ترحيل ابتسام  إلى المغرب، لكونها لا تحمل أي فكر متطرف ولا علاقة لها بالتنظيمات الإرهابية”.

وتؤكد السيدة أن “أختها تعيش ظروف صحية صعبة رفقة ابنتها داخل السجن، وتنتظر أن تستفيد من العفو ثم الترحيل، باعتبار أنها لم تشارك في القتال بل كانت ضحية لزوجها المغرر به، وهو ما دفعها لمحاولة الفرار قبل أن يزج بها في السجن”.

الدفاع عن العالقين والمعتقلين

الدفاع عن أبنائهم والمطالبة بإعادتهم إلى المغرب، وضمان شروط محاكمة عادلة وإعادة تأهيل وإدماج النساء والأطفال، دفع مريم زبرون وأهالي آخرين لإنشاء هيئة وطنية تحمل اسم “التنسيقية الوطنية لعائلات العالقين والمعتقلين المغاربة في سوريا والعراق”.

تقول مريم زبرون الكاتبة العامة للتنسيقية إن الهدف من وراء التئام أهالي المعتقلين المغاربة في بؤر التوتر في تنسيقية وطنية، هو حلحلة هذا الملف الشائك وتسريع الإجراءات الكفيلة بطيه بشكل نهائي لوضع حد لمعاناة أسر و عائلات المعتقلين.

وتدعو المتحدثة كافة الأطرف المعنية بالملف للتدخل من أجل إنقاذ المغاربة العالقين في بؤر النزاع، وإعادة تأهيل العائدين ومواكبتهم اجتماعيا وتقديم الدعم النفسي لهم، إلى جانب العمل على دمج أطفالهم في المنظومة التربوية والتعلمية، وتمكينهم من الحصول على جميع الوثائق الإدراية الخاصة بهم.   

وتشير زبرون إلى أن جهود التنسيقة قد أفضت إلى التواصل مع الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطف وهبي لإحداث لجنة برلمانية للتقصي حول أوضاع المغاربة المحتجزين في المخيمات والسجون سواء بالعراق أو سوريا.

تقصي الحقائق

وكان مجلس النواب قد شكل لجنة استطلاعية بهدف الوقوف على أوضاع العالقين في سوريا والعراق، خلصت إلى ضرورة معالجة ملف العالقين في بؤر التوتر ودراسة كل حالة على حدة.

وأوصت اللجنة التي ترأسها عبد اللطيف وهبي، البرلماني السابق ووزير العدل الحالي، بالعمل على إصدر القوانين اللازمة لمعالجة الأوضاع الخاصة بالأطفال والنساء المغاربة العالقين في بؤر التوتر في سوريا والعراق، وتسهيل عملية عودتهم إلى المغرب.

ودعى تقرير اللجنة السلطات المغربية المعنية إلى التوقيع في أقرب الآجال على اتفاقيات للتعاون القضائي والقانوني بين الرباط وبغداد بغرض تسهيل عملية ترحيل الأشخاص المحكوم عليهم بين البلدين، إلى جانب إعمال مضمون اتفاقية نقل الأشخاص المحكوم عليهم بين المغرب وسوريا.

أسباب تعيق العودة

وعلى غرار العديد من دول العالم، كان المغرب قد عبر عام 2019 عن قلقه إزاء عودة المقاتلين المغاربة في صفوف التنظيمات الإرهابية في بؤر التوتر.

يقول سعيد لكحل، الباحث المغربي في شؤون الحركات الإسلامية، إن من أبرز المعيقات التي تقف أمام إعادة المغاربة العالقين في سوريا والعراق تتمثل في تشبع البعض ممن قاتلوا في صفوف الجماعات الإرهابية، بالفكر المتطرف مما يشكل خطرا محدقا بالمجتمع وبالأمن العام.

ويستطرد لكحل في تصريح لـ”سكاي نيوز عربية”: “هناك تخوف آخر ممن اكتسبوا الخبرة في التعامل مع أصناف محددة من الأسلحة وفي صنع العبوات الناسفة وتجهيز السيارات المفخخة إلى جانب التدريب على حرب العصابات”.

إلى جانب ذلك، يشير المتحدث إلى إشكال من نوع آخر يرتبط بتحديد هوية أطفال المغاربة الذين تزوجوا من أجانب يحملون جنسيات أخرى، ولا يتوفرون على وثائق ثبوتية رسمية.

ويشير الباحث في الجماعات الإسلامية، إلى تقسيم السلطات المغربية للمغاربة المعتقلين أو العالقين في بؤر النزاع، إلى قسمين، يشمل القسم الأول الأشخاص الذين شاركوا في المعارك والذين يخضعون للمحاكمة فور وصولهم إلى المغرب طبقا للقانون المغربي الذي يجرم الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية.

فيما يتعلق القسم الآخر يضيف الكحل، بالنساء والأطفال الذين لم يتورطوا في عمليات القتال، ويتم إخضاعهم لإعادة التأهيل والمتابعة المستمرة من أجل تسهيل عملية إدماجهم وسط المجتمع.

سكاي نيوز عربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *