رشيد مشقاقة*

 

بعد النجاح الذي حققته مدونة الأسرة، بإقبال التشريعات المقارنة على استلهام موادها في ما تسّنه من قوانين، خاصة القانون المصري؛ إذ بات نظام كيفية تدبير الأموال المكتسبة بين الزوجين والخبرة الجينية ومجلس العائلة ووضعية المرأة المغربية في الخارج محط اهتمام متزايد؛ بل إن بعض التشريعات العربية صاغت مشاريع قوانينها على هذا المنوال، جاء الدور على دستور 2011 الذي استوحيت منه التعديلات المزمع إدخالها على الدستور المصري.. ولعل أهمها الباب الخاص بالسلطة القضائية. ومعلوم أن الصياغة المحكمة التي رسا عليها الدستور في هذا الباب تعكس تقنية تشريعية دقيقة جدا وأكثر فاعلية، ما ساعد القوانين التنظيمية على تجسيد مضامينها بسلاسة متناهية.

فالعزم منعقد على تعديل المادة الـ185من الدستور المصري التي جاء فيها “تقوم كل جهة أو هيئة قضائية على شؤونها، وتكون لكل منها موازنة مستقل، يناقشها مجلس النواب بكامل عناصرها، وتدرج بعد إقرارها في الموازنة العامة رقما واحدا، ويؤخذ برأيها في مشروعات القوانين المنظمة لشؤونه”.. فقد لاحظ المتتبعون للشأن القضائي في هذا البلد أن هناك تباينا وتناقضا واختلافا بين ما تنهجه كل جهة أو هيئة قضائية على حدة، في ظل غياب رؤية موحدة ومسؤولة تخدم منظومة العدالة.

أما التعديل المقترح فيستهدف إنشاء مجلس أعلى للهيئات القضائية للنظر في الشؤون المشتركة للجهات والهيئات القضائية، يرأسه رئيس الجمهورية بوصفه رئيس الدولة… ووضع آلية لاختيار رؤساء الجهات والهيئآت القضايية من بين خمسة مرشحين لهذا المنصب ممّن ترشحهم مجالسهم العليا..

إن هذا التوجه مستوحى من الدستور المغربي. فالملك هو من يرأس المجلس الأعلى للسلطة القضائية. ويتكون المجلس من أعضاء معينين وأعضاء منتخبين كالآتي: المادة الـ115 “يرأس الملك المجلس الأعلى للسلطة القضائية.. ويتألف هذا المجلس من: الرئيس الأول لمحكمة النقض رئيسا منتدبا، والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، ورئيس الغرفة الاولى بمحكمة النقض، إلى جانب أربعة ممثلين لقضاة محاكم الاستيناف ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم، وستة ممثلين لقضاة محاكم أول درجة ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم.
الوسيط، ورئيس المجلس الوطني لحقوق الانسان، وخمس شخصيات يعينها الملك”.

كما أن الشأن القضائي، حسب المادة الـ113 من الدستور المغربي بيد المجلس الأعلى للسلطة القضائية، فهو الذي يضع، بمبادرة منه، تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة ويصدر التوصيات الملائمة بشأنها”.

ويبدو أنه بعد الخطوات الجبارة التي قطعتها بلادنا في مشوار إصلاح منظومة العدالة، أصبحت القوانين التنظيمية والأساسية المنزلة على ضوء مضامين الدستور المغربي وتوصيات خطة إصلاح منظومة العدالة محط اهتمام التشريعات المقارنة، ما يجعل المغرب بلا منازع من الدول السباقة في مجال التشريع الهادف. ويحق لنا أن نفتخر بمنظومتنا القضائية. فبعد هيأة الإنصاف والمصالحة ومدونة الأسرة، يبقى الدستور المغربي، في باب السلطة القضائية ونظام الغرفتين، مرجعا أساسيا لدى الجهة التأسيسية للدستور المصري.
***
*رئيس المنتدى المغربي للقضاة الباحثين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *