رشيد مشقاقة*
لم يكن للدّين حزب ولا للمتدين قميص كرة القدم…
يعبد الناس الله جلت قدرته بلا شكل ولا لون ولا إخراج ولا تمثيل.. لم يكن للدين ذقن. لم تكن للدين لحية. لم يكن للدين شعر كث. لم تكن للدين سراويل وعلامات الحصير على الجبين…
يتحوم الجيران حول الإمام بالمسجد الأعظم معظم أيام الاسبوع ويوم الجمعة، عيد المؤمنين. وينصت العامل والتاجر والعاطل والمعلم والقارئ والأمّي والسكير والعاق والمتشكك والواثق… فمن لغى فلا إيمان له. ولا يجد الفقيه حرجا في أن يقول للميسور أعِن الفقير، ولا للمدمن كف عن التدخين والخمر، ولا للآباء ساعدوا أبناء الحي على شراء أقمصة كرة القدم، ولا للطبيب عالج المريض، ولا للتاجر شغّل العاطل..
يخرج المصلون راضين سعداء. القناعة والرضى كنز لا يفنى. يثوب المبتلي ويصحو السكير ويبرّ العاق ويؤمن المرتاب. الذي يقرأ ديكارت وسارتر وماركس يصلي..
الذي يقرأ طه حسين والعقاد وأحمد أمين والسيد قطب وسلامة موسى ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم يصلي.. الذي يلبس الجلباب يصلي والذي يلبس الجينز يصلي والتي ترتدي فستانا محتشما تصليووالتي تلبس جلبابا وتضع اللثام حشمة تصلي..
وجلسنا في الفصول فتى وفتاة، جنبا إلى جنب. لا تحرش ولا فساد ولا اغتصاب ولا استنكار. لا حقد ولا موجدة ولا وصاية. مؤمنون بسطاء، متحدّون كالبنيان المرصوص.. ليسوا في حاجة إلى من يُحْدث دكانا ليتاجر بالدين. ولا لمن يعتلي منبر الخطابة ليقول كلاما كالفوازير من كتاب “سحر هاروت وماروت” ولا يعمل بما يقول.
كل الأحزاب، بلا استثناء، يلتقي زعماؤها ومناضلوها في المساجد، المفتوحة لبل نهار. فإذا لم يجد الغريب مأوى فتح المسجد ذراعيه مرحّبا.. ويجد الغريب عشاء وفطورا أعدّته ربات البيوت. ولم يجرؤ أحد على المس بحرمة المسجد ولا بسلامة وأمن الناس…
وأحب الناس وطنهم. الذين عاشوا زمن الكفاح المسلح ضد الاستعمار يحكون، ونحن الذين عشنا زمن المسيرة الخضراء نحكي. حب صادق عفوي، تلقائي، فالوطنية لا تحتاج مقررا لدراسة موادها ولا أستاذا في النظريات. الوطن لم يكن يوما حقيبة، والمغربي لم يكن أبدا محض مسافر. أحب وطنه إلى حد العبادة ولا يزال. ويحب الناس ملكهم، حبا صادقا عفويا تلقائيا. تلهج حناجر الأطفال بالأناشيد في المدارس وعلى الأرصفة كلما مر الموكب الملكي. ومن كل حدب وصوب تحج الأفواج إلى ساحة تواركة لترى الملوك. أليسوا رمز الأمة، أمراء المؤمنين وحُماة الملة والدين؟ وتصدح الأغاني الوطنية “حنا معاك وراك دايما ماشيين في طريقك. يا حبيب الجماهير”.
حب يملأ العقول والأفئدة، واحترام ما بعده احترام. “أطيعوا الله والرسول وأولي الامر منكم”، صدق الله العظيم.
وفسدت الحياة بعدما دخل الدّين قفص السياسة واقتحمت السياسة محرابَ الدين.. بعدما أحدث البعض فرَقا، مثل فرق الرياضة، ليتميزوا عن الناس، ليتكلموا باسم الدين، ليلعبوا بالعقول والأفئدة البريئة، البسيطة والمؤمنة.. ويزعموا أنهم أوصياء على الدين وأنهم أكثر فهمًا وإلماما به.
نسي هؤلاء أن أبسط مواطن يعرف الله ويحبه ويصلي منفردا أو بين الناس.. نسوا أن بلدنا آمن، هانئ، وأن لنا ثوابت لا نحيد عنها.
نعبد الله جل جلاله. نفدي وطننا بالغالي والنفيس ونحب ملكنا ونجله ونحترمه، فهو حامي حمى الملة والدين ورمز السيادة. نبارك خطواته ونسير وفقها.وهذه ثوابتنا، خلفا عن سلف، وبها آمنّا..
لنستبشر بزمننا الجميل، فهذا بلد الأمن والأمان.
*رئيس المنتدى المغربي للقضاة