عبدو المراكشي -le12.ma

 

في الوقت الذي يواصل الواقع الحزبي الحالي إنتاج “قيادات” كرتونية، بالنظر إلى ضعف الثقافة السياسية والتأطير ونقص الخبرة والتجربة، يواصل الموت حصد أسماء وازنة من الجيل الأول والثاني للسياسيين المغاربة، المؤطَّرين والمكوَّنين تكوينا أكاديميا وسياسيا وحزبيا متماسكا.

وكان سي محمد ليدام واحدا من آخر هذه الأسماء الوازنة التي حصدها الموت مؤخرا ليعاد، في خضمّ هذه الخسارة السياسية والحزبية، طرح السؤال المؤرق: هل أنتجنا بدائل لتعويض هؤلاء الرجال الذين يسقطون تباعا، في مشهد حزبي ما يفتأ يزداد بلقنة ونكوصا وتردّيا على كافة المستويات؟..

بداية مشوار الشبيبة الطويل

قد لا يعرف كثيرون الرّاحل محمد ليدام، بحكم أنه لم يكن ممّن يحبّون الصفوف الأمامية. اشتغل، دوما، جنديَ خفاء خدمةً لفكرة، لحزب بقيمة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. لكنّ من يعود إلى أرشيف الاتحاد الاشتراكي بوثائقه، وحتى صوره، سيكتشف من يكون محمد ليدام، الحاضر بقوة في كواليس المحطات الكبرى في تاريخ الحزب.

فمن مجالس الفروع، إلى المجالس الإقليمية والمؤتمرات والأوراش التي فيها الحزب، كان الراحل محمد ليدام دائم الحضور والمشارَكة والتأطير؛ قبل أن ينتهي به المسار في مقر الكتابة الإقليمية في الدار البيضاء (طريق مديونة) حيث شغل الفقيد مسؤولية فرع درب السلطان.

عاش محمد ليدام وهو شاب في مقتبل العمر، أجواء المؤتمر الاستثنائي في 1975، قبل أن يسهم في إعادة بناء الشبيبة الاتحادية في الدار البيضاء في الثمانينيات؛ ليظل قريبا من قلوب وعقول أفراد الشبيبة الاتحادية طيلة عقد التسعينيات.

هل أُنصف محمد ليدام؟

كثيرون لا يعرفون هذا الرجل، الذي لم بدأ في 1975 حين كلّف بنقل تسجيل صوتي (فيه دعم للمؤتمرين) إلى عبد الرحمن اليوسفي، في المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

كان ذلك في “سنوات الرصاص”. ولج محمد ليدام قاعة المؤتمر مرتبكا، وربما خائفا، لكنه أوصل الرسالة إلى أهلها، أي الشهيد عمر بنجلون.

تحمّل محمد ليدام لجنة التنسيق الإقليمية للشبيبة الاتحادية، التي أنشأها الاتحاد الاشتراكي، في 1982، في الدار البيضاء. كما تحمّل مسؤولية كتابة فرع الفداء -درب السلطان حتى 1987. وتم ترشيحه، باقتراح من المقاوم محمد منصور، في دائرة “المشور” للانتخابات البرلمانية.

رفيق اليوسفي

حين عُهدت إلى عبد الرحمن اليوسفي مسؤولية إدارة ”جريدة الاتحاد الاشتراكي”، في 1997، دعي محمد ليدام إلى العمل معه في كتابته الخاصة، ليعود للجريدة التي كان قد اشتغل فيها داخل قسم الأخبار.

ومنذ ذلك الحين، ظلّ محمد ليدام ملازما لعبد الرحمن اليوسفي إلى أن قدّم هذا الأخير استقالته من الحزب في 2002. بعد ذلك سيغادر محمد ليدام الصحيفة، وكأن نهايته وبدايته ارتبطت بهذا الرجل.

وما سُجّل على الرجل طيلة هذه الفترة، وغيرها من فترات تحمّله مسؤوليات في الحزب، أنه ظل، خلال كل هذه المراحل عفيفا، أنيقا، ممتثلا لواجب العمل ومترفعا بكبرياء عن الصّغائر، التي صارت تسكن كثيرا من نفوس “قيادات” أحزاب اليوم، إلا مَن رحم ربي.

محطات في مشوار محمد ليدام

-تربي محمد ليدام وسط عائلة طيبة تلقى منها تربية صالحة صقلتها، في وقت لاحق، ثقافة الاتحاديين القدامى؛

-في 1975 غادر محمد ليدام فرنسا، التي كان قد سافر إليها بعد حصوله (في 1970) على الباكالوريا في العلوم الرياضية؛

-بينما قصد ليدام فرنسا لاستكمال دراسته، شاءت الصّدَف أن يتحول إلى مناضل، لا تهمه الشهادات، وهو القارئ الجيد للثقافة الفرنسية وآدابها والمتتبع لمؤلفات مفكريها. إذ كان يحب النقاش والجدل. وكان للشاعر والروائي الفرنسي لوبس أراغون حب خاص؛

في 1976 سيتعرض للاعتقال بعدما صار ممثلا لطلبة الاقتصاد في أول تعاضدية أسسها الاتحاديون في كلية الحقوق بالدارالبيضاء، والتي رفضتها لإدارة. ومن المناضلين الذين كانوا اعتقلوا معه إبراهيم إرم ومحمد لشكر وبنياز (أخ الكوميدي باز) والبارودي؛

أفلح مناضلات ومناضلون، منهم أحمد دابا وصلاح الدين المانوزي والمناضل باقدير (من عائلة شيخ العرب) ومصطفى كرين (المحامي) في الإضراب وأطلق سراح المعتقلين، ومنهم محمد ليدام. وبعد الإفراج عنهم عقد تجمّع في كلية الحقوق التي كان عميدَها، حينذاك، الجواهري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *