رشيد نيني

 

في بلاغات بعض الدول الصادرة بعد إعلان الخارجية الجزائرية قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب شيء غير واضح، إذ يشير مثلا بلاغ وزارة خارجية دولة الإمارات إلى أسفها لقطع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب.

والواقع أن الذي بادر لقطع العلاقات مع المغرب هي الجزائر أما المغرب فلم يتوقف عن مد اليد والمطالبة بطي صفحة الخلافات. لذلك فالإشارة إلى قطع العلاقات، دون تخصيص من بادر إليها بالأسف، فيه مساواة بين الطرفين. 

وكذلك الشأن بالنسبة لبلاغ جامعة الدول العربية التي دعا أمينها العام الجزائر والمغرب إلى ضبط النفس وتجنب المزيد من التصعيد، والحال أن التصعيد يقوم به طرف واحد هو حكام الجزائر، ويكفي مراجعة تصريحات رئيس الدولة ووزرائه ورئيس الأركان وافتتاحيات مجلة الجيش لمعرفة من يحتاج لضبط النفس. 

وما واظب عليه الرئيس الجزائري ورئيس الأركان خلال الفترة الأخيرة من شيطنة للمغرب واستعداء عليه ورد كل ما يحصل للجزائر من كوارث بشرية وسياسية وطبيعية للمغرب، ليس فعلا مرده فقدان العقل أو الرزانة أو الجهل بقواعد الدبلوماسية والسياسة كما يظهر، بل بالعكس، كل هذه الحملة المنظمة لشيطنة المغرب ملكا وشعبا هي تمارين مفكر فيها ومخطط لها جيدا لتحريض الجزائريين ضد المغرب وشحنهم وخلق عداء شديد لديهم اتجاه كل ما هو مغربي وإعدادهم نفسيا لتقبل قرارات عدوانية قد يعلنها الجنرالات ضد المغرب. 

إذا اندلعت النيران في الغابات فالمغرب هو السبب، وإذا نضبت الواحات فالمغرب الذي يمتص فلاحوه المياه الجوفية هو السبب. 

وقد لاحظنا مؤخرا أن روايات العسكر حول العدو المروكي التي تمطرق بها الدعاية الرسمية الرأي العام الجزائري على مدار الساعة في كل وسائل الإعلام التابعة برمتها للأجهزة الأمنية والعسكرية بدأت تعطي أكلها، فهناك اليوم تعبير عن الكراهية أكثر وضوحا في تعليقات وتلميحات مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي الجزائرية. فالطبيعة العفوية والعاطفية للجزائري والتي تجعله أقرب إلى تصديق الروايات الأكثر غرابة وتناقضا تدفعه للوقوع فريسة سهلة بين براثن الكذب والتضليل. 

العارفون باستراتيجيات الإعداد للحروب يعرفون أن أحد مرتكزات هذا الإعداد يقوم على إعداد الشعب فكرياً ومعنوياً وأمنياً للحرب باعتبار أن القوة البشرية من أهم أسلحة الدولة، لذا فإن إعداد الشعب يعنى غرس الولاء والانتماء بحيث يصبح قوة مؤثرة وفعالة لإدارة عملية الإنتاج وتلبية الاحتياجات الحربية أثناء إدارة الصراع. 

عندما يكون لديك جار أحمق فيجب أن تضاعف الجهود لكي تحترس من حماقاته، لأنه قد تلمع في ذهنه فكرة إضرام النار في بيته فيعرض بحماقته تلك بيتك أيضا لخطر الاحتراق. 

لذلك فمن يقللون من شأن القرار الجزائري الأخير يرتكبون خطأ كبيرا، فقرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب جاء لتتويج سلسلة من القرارات العدوانية بدأت بسحب السفير والتهديد بمراجعة العلاقات واتهام المغرب بالوقوف وراء إضرام النار في غابات القبايل وتدبير مخطط لزعزعة استقرار الجزائر ليصل الأمر اليوم لإعلان قطع العلاقات، مما يعني في اللغة الدبلوماسية أن الخطوة المقبلة لن تكون سوى قرار إعلان الحرب، وهي حرب إذا وقعت لا قدر الله ستكون عواقبها مدمرة لحاضر ومستقبل المنطقة. 

لحسن الحظ أن المغرب متفطن لهذا الفخ ويشتغل بحواس استراتيجية وقرون استشعار متيقظة لكل المؤامرات التي تريد جره لمستنقع الرمال المتحركة. لذلك يستطيع جنرالات الجزائر أن يحشدوا للحرب مثل ما يحبون فالمغرب لن ينخرط في هذه الحماقة وسيظل يشهد العالم بأسره على ما يصنعه جاره بنفسه وبالمنطقة. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *