تقي الدين تاجي
يوما عن يوما تتأكد حربائية حزب العدالة والتنمية، الامتداد الفكري – حتى لا نقول العضوي – لتنظيم الإخوان المسلمين بالمغرب، فبعد توقيع الأمين العام للحزب “سعد الدين العثماني” لاتفاق إستئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل، من موقعه كقائد للحكومة، عاد الشخص نفسه، معتمرا هاته المرة قبعة “أمين عام حزب إسلامي”، ليُنظم استقبالا كبيرا وحميميا، على شرف القيادي بحركة حماس إسماعيل هنية.
ويبدو أن القدرة على التلون، التي يمتلكها هذا التنظيم، باتت تفوق قدرة الحرباء نفسها، بالنظر إلى المحطات العديدة، التي أبان من خلالها أعضاؤه، عن تناقضاتهم، وممارستهم للتقية، بما يخدم مصالحهم، ضاربين عرض الحائط ما دون ذلك.
وبات حزب العدالة والتنمية، ونحن على بعد أسابيع قليلة من الإستحقاقات الانتخابية، ليوم الثامن من شتنبر المقبل، مستعدا لأداء مختلف الشطحات، التي تضمن له، إعادة تلميع صورته، وترقيع بكارته المتهتكة، من جراء الفضائح التي تورط فيها بعض أعضائه، بدءً بالفضائح الجنسية، مرورا بتورط عدد من قيادييه المتواجدين بمناصب المسؤولية، في قضايا جنائية، تتعلق باختلاسات، كما هو عليه الحال، مع عمدة مراكش “محمد العربي بلقايد” المتهم بتبديد أموال عامة موضوعة تحت اليد، بمقتضى الوظيفة، على خلفية إبرامه صفقات كوب 22، خارج الضوابط القانونية. وفق صك المتابعة.
هذا إلى جانب تفجر الحزب من الداخل، إثر تجميد عدد من قيادييه البارزين لعضويتهم، سواء بسبب قضية التطبيع مع إسرائيل، وأيضا بسبب تصويت الحزب على مشروع القانون المتعلق بالإستعمالات الطبية لنبتة القنب الهندي، وفي مقدمتهم عبدالإله بن كيران الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة السابق، إلى جانب المقرئ أبو زيد الإدريسي، دون أن ننسى طبعا، الإستقالة الأخيرة لوزير الدولة وأحد أبرز صقور الحزب، المصطفى الرميد، والتي تسببت في تفاقم الاحتقان داخل التنظيم المذكور.
وتأسيسا على ذلك، فإن “إخوان البيجيدي”، كانوا في أمس الحاجة، لهذا اللقاء مع “إخوان” حركة حماس، الذين لم يترددوا في تقديم هاته الخدمة الجليلة الى واحد من أهم التنظيمات الحاملة للفكر “الإخونجي”، في منطقة “المغرب الكبير”، بما يضمن لهم، إستمرار تواجد مدافع صلب عن كيانهم وأيضا عن مصالحهم.
والحال أنه، لو رفضت حماس، وضع يدها في يد إخوان سعد الدين العثماني، بدعوى توقيعه الإتفاق الثلاثي مع إسرائيل، كانت ستقدم حينها خدمة جليلة لأحزاب المعارضة، وكذا إلى ثلة من الأحزاب المتنورة والحداثية، خلال الانتخابات المقبلة، بالنظر إلى العدد الكبير من المتعاطفين مع الحركة الحمساوية، الذين يمنحون حزب العدالة والتنمية أصواتهم خلال كل إستحقاق إنتخابي، وبالتالي كان أي قطع لعلاقاتها مع إخوانها في المغرب، سيشكل إعلانا لنهاية هذا التنظيم، على المستوى الانتخابي، خاصة في ظل تهاوي سمعته وشعبيته، إلى مستويات دنيا بالفترة الأخيرة، وفق إستطلاعات رأي غير رسمية.
ولهذا اختارت حماس، التعامل ببرغماتية، من أجل إنقاذ حزب العدالة والتنمية، – وما كانت لتقوم بعكس ذلك طبعا -، بالنظر الى أن التنظيمين معا، ينهلان من نفس الفكر، ويَسبحان في فلك واحد.
وهنا تنبري واضحة بجلاء، الإزدواجية الحمساوية في تعامل قيادات الحركة، مع تطبيع المغرب علاقاته مع اسرائيل، بخلاف تعاملها مع باقي اتفاقات السلام التي وقعتها الدول الأخرى، بشكل يُستشف منه، أن الحركة لا مشكلة لديها مع التطبيع في حد ذاته، فهي نفسها، تحتفظ بعلاقات سرية مع إسرائيل، على أعلى مستوى، لكن ما يهمها، هو الطرف الذي قام بالتطبيع، ومدى قربه من الحركة أو على الأصح مدى قربه من “الفكر الإخواني”.
وهذه التناقضات، تكشف بجلاء الخطورة البالغة لجماعات الإسلام السياسي، التي تتخذ من الخداع والتمويه، مطية من أجل تحقيق مآربها، وليس لديها أي حرج في تغيير مواقفها من الموضوع نفسه، وفق ما تقتضيه مصلحتها الخاصة.
ومن أوجه البرغماتية الإخوانية، مُوافقة حزب العدالة والتنمية، على وضع يديه في يد حماس، رغم معرفته الواسعة، بارتباطها التنظيمي والعضوي مع الحرس الثوري الإيراني، وهو ما يُعتبر بمثابة، تحالف مع إحدى أدرع إيران السياسية والعسكرية، التي قرر المغرب قبل زهاء ثلاث سنوات من الآن، قطع علاقاته الدبلوماسية معها بشكل نهائي، بعد تورطها من خلال حزب الله اللبناني، في تقديم السلاح وتدريب عناصر انفصالية تنتمي لجبهة البوليساريو.