تقي الدين تاجي
من يتابع الحملة الشعواء التي يشنها ، عبد المجيد تبون، هاته الأيام، على المملكة المغربية، ورموزها، واصراره الغريب على حشر اسمها واسم ملكها، في جميع حواراته السطحية والغبية، التي تجريها معه بعض المنابر الإعلامية، آخرها حواره على قناة الجزيرة، يتذكر رواية “امرأة بلا رأس ورجل حسود”، للروائي العالمي “جونسالو إم تافاريس”.
فالجزائر اليوم هي تلك المرأة التعيسة، في رواية “جونسالو”، التي قطعت رأسها والدم يسيل منها، لترسم طريقا ، يسهل من خلاله على أبنائها العثور عليها، بينما يبدو ذلك مستحيلا، لأنه حتى لو عثروا عليها، لن يتمكنوا من معرفتها، فهي بلا رأس وبلا ملامح.
هذا هو حال جارتنا الشرقية، وقد أضحت بلا رأس وبلا عقل أيضا، يسيل الدم من أوصالها، جراء ما تتخبط فيه من مشاكل على عدة مستويات، بدءً باقتصادها الذي يقف على حافة الهاوية، وأبناؤها الذين لا يجدون حتى شكارة السميد والحليب، فالأحرى أن “يجدوا” والدتهم، التي خرجوا منذ الساعات الأولى، لفجر “الحراك”، يبحثون عنها، في شوارع وهران وبجاية وسكيكدة، بينما اختارت هي ويا للأسف، التنكر لهم، وتبني طفل غير شرعي يدعى “بوليساريو”، تغدق عليه بالعطف والحنان، و”أموال الشعب الجزائري المسكين”.
وفي الشق الثاني من عنوان الرواية، يبدو الرجل الحسود، متجسدا في شخص يدعى “تبون”، يجلس على هرم حكم جارة، لا تحترم حقوق الجيرة، ويمعن “تبونها” في شتم جيرانه ووصفهم بأقدع النعوت، بدءً بوصفهم بالمحتلين، وليس انتهاءً بالاستخفاف برموزهم، والدعوة الى تفكيك وحدة أراضيهم.
ويحكي “جونسالو إم تافريس” في روايته قائلا ” تمضي المرأة مقطوعة الرأس، منادية أبناءها لكنها سرعان ما تكتشف أنها تائهة. هى فى متاهة بلا رأس، تمر فى تلك المتاهة بحيوانات متنوعة: ماعز، وخنازير، ودجاج، وحصان، هناك خنزيران يتزاوجان، لكنها لا ترى؛ فهي بلا رأس”.
والجميع مقتنع اليوم أن الجزائر بلا رأس وبلا رئيس أيضا، تحكمها طغمة العسكر الفاسد، لكن من يقنعها بذلك ؟ ومن يقنع تبون، بالالتفات الى أبناء الجزائر، والاستماع الى مطالبهم، والى أصواتهم المبحوحة، التي ضاقت ذرعا، من سياسات نظامه الفاسد، تنادي ليل نهار “دولة مدنية ماشي عسكرية” .”وقد أسمعتَ لو ناديت حيـًا.. ولكن لا حياة لمـن تنادي، ولو نارٌ نفختَ بها أضاءت.. ولكن أنت تنفخ في الرماد”.
أما المملكة المغربية، فيكفيها فخرا، أنها برأس ثابت في مكانه منذ قرون طويلة، ” كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها” ، كما قال ربنا في محكم كتابه العزيز. ولن يحرك هجوم المتربصين بها، شعرة واحدة من رأسها، ولا حتى تلك الكلمات الحقودة التي ما فتئ ينفثها “تبون” ، بإيعاز من أرباب نعمته “شنقريحة” و “بنمرزوك”، “فالكلمة الخبيثة كالشجرة الخبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار”. (مثلها مثل تبون تماما، الذي لا قرار له في أي شيء ).
والغريب، أن يعتبر تبون “رفض المغرب إجراء استفتاء تقرير المصير في الأقاليم الجنوبية، ناتج “عن تغيير عرقي كانت له عواقبه”، وأن “الصحراويين داخل الصحراء هم اليوم أقلية مقارنة بالمغاربة الذين استقروا هناك”. وفي حالة التصويت لتقرير المصير، فإن المغاربة الذين يعيشون في الأراضي الصحراوية سيصوتون من أجل الاستقلال لأنهم لا يريدون البقاء كرعايا للملك”، ليخلص إلى أنه “من المفارقة أن تكون لديك أغلبية مغربية وأن ترفض التصويت على تقرير المصير”.
وقد صدق آلبرت أينشتاين حين قال ” شيئان لا حدود لهما، الكون وغباء الإنسان، مع أني لست متأكدا بخصوص الكون”، وربما لو عاش الى غاية اليوم، وسمعَ هاته التراهات التي جاءت على لسان “تبون”، لغيّر مقولته، لتصبح على الشكل التالي “شيئان ليس لهما حدود، الكون وغباء “عبدالمجيد تبون”.
فكيف لعاقل أن يستوعب هذا التحليل الغبي، فإذا كانت دول عظمى تشيد بتطور المغرب، على جميع المستويات، اقتصاديا واجتماعيا، وسياسيا، فكيف والحال، أن يختار مواطنوه تقرير المصير، بالتصويت لصالح الاستقلال ؟ !! الاستقلال والالتحاق بمن يا “تبون” ؟ هل بالبوليساريو التي لم يجد “بن بطوش” مستشفى، يعالج فيه نفسه، أم بالجزائر التي لا يجد مواطنوها حتى قنينة الزيت، لقلي “بطاطس الفريت”، بينما يحاول زعيمها “تبون” عبثا، أن “يقلي لنا السم” بغباءه منقطع النظير، فلا يفلح المسكين، سوى في “الاساءة الى نفسه من حيث لا يدري”. وكما نقول في المغرب “جا تا لرحبة فليّو وبغا يعطس”.
ولقد كان من عادة العرب أن يلقَّبوا كل مائة عام “حمارا “؛ يبدو أنه سيكون على إخواننا في الجزائر، تلقيب غبي -حتى لا نقول شيئا آخر- كل مائة ساعة فقط، عوضا عن مائة عام، بالنظر الى هذا السيل الغريب من الخرجات الغبية، التي يمطرنا بها بعض ساساتهم، على رأس كل أسبوع، مع تخصيص 68 ساعة المتبقية، للمطالبة برحيلهم “إين فوَا بوغ توت” أو على وجه التحديد “يتنحاو كاع”.