تقي الدين تاجي

 

حمل أمر الملك محمد السادس، بمنع الاعلام العمومي من تغطية، أنشطة وزراء حكومة سعدالدين العثماني، رسائل عديدة، أهمها الحرص الملكي، على إجراء إنتخابات شفافة، ضمن إطار يعزز من مصداقيتها ونزاهتها، بما يضمن تكافؤ فرص القوى السياسية المتنافسة فيها.

كما أنها ليست المرة الأولى التي يتدخل فيها الملك، بصفته رئيسا للدولة، من أجل ضبط العملية الانتخابية، وتهيئة الأجواء المناسبة لتنظيمها، وهو ما يعكس عزيمة ثابتة ورغبة قوية لأعلى سلطة بالبلاد، في تكريس المبادئ العليا لدولة الحق والقانون، المرتكزة على أسس ديمقراطية صلبة.

لقد سبق للملك في خطاب، ألقاه بمناسبة الذكرى 17 لعيد العرش، الذي تزامن مع انتخابات سنة 2016، الإشارة الى ذلك بالقول: ” عند انطلاق الاستحقاقات الانتخابية تنطلق عند البعض كأنها القيامة، ولا أحد يعرف الآخر والجميع يفقد صوابه، والصراعات وفوضى لا علاقة لها بالانتخابات ”. 

وأكد الملك ضمن الخطاب ذاته “أن الحزب الذي ينتمي إليه هو حزب المغرب” قائلا : “لا أشارك في أي انتخاب ولا أنتمي لأي حزب، فأنا ملك لجميع المغاربة، مرشحين ومنتخبين وكذلك الذين لا يصوتون، كما أنني ملك لكل الهيئات السياسية بدون تمييز أو استثناء…فالحزب الذي أعتز بالانتماء إليه هو المغرب”. محذرا البعض من إستغلال إنجازات حكومية أو أوراش ملكية، لتحقيق أهداف سياسوية/ إنتخابية، بالقول ” كفى من الركوب على الوطن لتحقيق طموحات حزبية ضيقة”. إنتهى النطق الملكي.

اليوم والبلاد على أبواب مسلسل إنتخابي، لا ريب أن القرار الملكي – الذي وصفه البعض في قراءة خاطئة  – بغير المسبوق في المشهد السياسي الراهن، ستكون له تداعيات في تكريس تخليق المشهد الحزبي وسيما على الحكومة التي يقودها حزب “العدالة والتنمية”، وبشكل أدق، على أولائك الذين نزلوا بكل ثقلهم، خلال هذا الزمن الانتخابي، ليحتلوا شاشات الاعلام العمومي، ووكالة الأنباء الرسمية، بعدما إنكشفت أساليبهم السابقة، في  ممارسة الشعبوية كلما إقتربت الانتخابات، ليقرروا تغيير الخطة، واللجوء الى تكثيف انشطتهم الوزارية، التي يغطيها الاعلام العمومي، لتسجيل حضور في ذهنية المتلقي.

ومعروف أنها أساليب تسويقية يوصي بها “خبراء الماركوتينغ وعلم التواصل”، وتعتمد على “برمجة العقل الباطن للملتقي الناخب” من خلال تكرار الظهور أمامه في كل مكان. وهو ما يندرج  أيضا، ضمن خانة البروباغندا، التي تعتمد على التزام سلوك دعائي ممنهج غير مباشر، من أجل تلقين المجموعة المستهدفة بالدعاية، الرسائل التي يريدها الطرف المرسِل.

ولاشك أن وزراء الحزب الحاكم، “العدالة والتنمية”، هم الخاسر الأكبر، من هذا القرار الملكي، بمنع تغطية أنشطة أعضاء الحكومة، بالنظر الى المعطيات الدقيقة، المتوفرة لدى جريدة Le12.ma عربية، والتي تفيد بتصدر وزراء “المصباح”، قائمة المسؤولين الحكوميين الأكثر حضورا في الإعلام الرسمي.

وليس غريبًا أن يستحوذ عزيز الرباح وزير الطاقة والمعادن، على حصة الأسد، من حيث نسبة المرور، في مختلف القنوات والاذاعات العمومية، مستفيدا من تعدد القطاعات التي يشرف عليها، بدءً من الطاقة والمعادن ثم البيئة، وهو ما يضمن له حضورا دائما للحديث عن مختلف الأنشطة المتعلقة بالقطاعات سالفة ذكر حتى في زمن التباعد الجسدي!؟.

واقع يطرح علامات استفهام كثيرة، بخصوص الديمقراطية والشفافية، في الاستفادة من الاعلام الرسمي، بين اعضاء الحكومة، أخذا بالاعتبار أنه لا يكاد يمر يوم واحد مثلا، دون ورود اسم “وزير الطاقة والمعادن والبئية” في تغطية من تغطيات وكالة الأنباء الرسمية، “”لاماب” عبر مختلف منصاتها الإعلامية.

لذلك من المشروع التساؤل، حول ما اذا كان بمقدور مدير الوكالة “خليل الهاشمي”،  من باب الحق في الحصول على المعلومة، نشر معطيات رقمية واحصاءات، حول مَن تكون الشخصية السياسية أو الهيئة السياسية الأكثر استفادة من التغطيات المتواصلة لهاته الوكالة.

ولعل رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، كان ذكيا، حينما واجه، مطلب أحزاب المعارضة الثلاث (التقدم والاشتراكية، البام، حزب الاستقلال) القاضي بتعليق الأنشطة الرسمية للوزراء السياسيين، مع قرب الموعد الانتخابي، بإشهاره لعدم دستورية ما يطالبون به، وهو محق في ذلك طبعا.

وربما كان “العثماني” يعلم جيدا، أن وزراء حزبه هم الأكثر حضورًا  في الاعلام الرسمي والعمومي، وأن تعليق أنشطتهم الوزارية المكثفة، سيشكل ضربة للخطة الإعلامية للحزب ككل، التي تعتمد على استغلال الاعلام العمومي والخاص والكتائب الالكترونية.

لذلك قطع رئيس الحكومة الشك بالقين، حين صارح ذات اجتماع رمضاني، نزار بركة زعيم الاستقلال وَعَبَد اللطيف وهبي أمين البام ونبيل بنعبد الله زعيم التقدم والاشتراكية، بأن الحكومة ستسمر في عملها إلى نهاية ولايتها الجارية، وفق ما ينص عليه دستور المملكة.

ولأن مبدأ تكافؤ الفرص، لا يمكن تحقيقه الا من خلال “تكافؤ الظروف” أيضا، جاء الأمر الملكي، واضحا لا لبس فيه، ليضع حدا لهاته الأساليب غير المشروعة، ودعوته وزراء الحكومة الى “الاستمرار في القيام بمهامهم إلى آخر يوم من الولاية الحكومية، لكن دون تغطية الإعلام العمومي لأنشطتهم”. “وذلك مراعاة للإنصاف مع الأحزاب الأخرى غير الممثلة في الحكومة، مع قرب موعد الانتخابات”.

ففكرة الانتخابات  في أساسها، تقوم على مبدأ تكافؤ الفرص بين اللوائح المتنافسة، وبين المرشحين أنفسهم، واذا غاب هذا المبدأ، فإن الانتخابات تعتبر قطعا ” غير نزيهة”، بغض النظر عما قد يصاحبها من إجراءات شكلية،  من قبيل تعيين ملاحظين، أو ضمان عدم التزوير المباشر في صناديق الاقتراع.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *