*يونس الخراشي

 

صرت مقتنعا، مع مرور الوقت، وما يحدث حولنا من أزمات، بأن المفكر عبد الله العروي كان محقا جدا وهو يصف المغرب بكونه “جزيرة”، يلفها الماء، والعداء، من كل جانب.

مع الأسف، فحين ترى كيف تعاطت إسبانيا، الجار العجيب، مع المغرب في الفترة الأخيرة، وقد أدخلت مجرما كبيرا إلى ترابها بهوية مزورة، وتستعد لإخراجه بالهوية المزورة ذاتها، ثم ترى كيف تفاعلت الجزائر مع القضية نفسها، ووكالة أنبائها تصف سبتة بالإسبانية، وتعود بذاكرتك إلى أيام من قبل، وترى كيف حاولت موريتانيا أن “تلعب” مع الجزائر، في قضية لا تحتمل اللعب بالنسبة إلى المغرب، تقتنع بأننا حقا في جزيرة.

بالطبع، بما أن الجغرافيا قدر لا فكاك منه، وهو قدر يصنع التاريخ، فليس علينا، والحالة هاته، أن نبقى مكتوفي الأيدي، ونبكي حظنا العاثر، الذي جعل محيطنا عبارة عن ماء وعداء، وإلا فلن نتحرك، ولن نمضي قدما نحو تنمية وديمقراطية لطالما نشدهما كل مغربي حر، يريد لبلده التطور، ويريد للمواطن الكرامة أينما كان، ومهما كان.

إن هذا النوع من الجوار، بما هو عليه من عقيدة عدائية مستحكمة، يفترض تقوية الذات، عبر تنقية الأجواء، وفتح النقاشات اللازمة، والوصول إلى الخلاصات المتعينة، والبدء بالعمل على كل الصعد في أقرب الآجال، لبلوغ الهدف الأسمى، وهو التطور بصورة تفيض بنا خارج الحدود، قاريا وعالميا.

إن التناغم الكبير بين إسبانيا والجزائر في قضية بن بطوش، المجرم الكبير، ومثله الصمت المخزي للبعض، إزاء ما حدث، كلاهما مثيل لبعضه البعض، ولا يصدران إلا عن عداء مستحكم، يصعب معه الحديث عن أفق إيجابي ممكن في الأمدين القريب والمتوسط.

فلا داعي للحلم، لأن الواقع لا يرتفع. وهنا، فنحن جميعا نتحمل المسؤولية إزاء مستقبلنا، إذ سيكون نتيجة لما نعمله الآن، وقد فكرنا فيه قبل قليل. فعلينا إذن أن نحسن التفكير، بدون غوغائية ولا شعبوية ولا سياسوية، ولا أخلاقوية أيضا، وأن نحسن التدبير كذلك، بعيدا عن أي مثالية أو عقدة نقص، أو بحث عن المستحيل.

هيا إلى العمل.. هناك مستقبل كبير في الانتظار، فقط علينا أن نعرف كيف نتحرك نحوه من الآن.. فلنا جيران كثر، يتمنون، في كل لحظة، لو أن الجغرافيا كانت من صنع الإنسان.

*كاتب/صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *