كشفَ النزوح الجماعي للمهاجرين، صوب اسبانيا، عن الوجه القبيح والبشع لهاته الأخيرة، التي ما فتئت تتغنى بدفاعها عن حقوق الإنسان، بما في ذلك تبريرها استقبال المدعو إبراهيم غالي، بـ “الدواعي الإنسانية”، في وقت جندت فيه عناصر جيشها، للتنكيل بالمهاجرين.وهو ما أكدته منظمة العفو الدولية، أول أمس الأربعاء، في تقرير لها، انتقدت فيه “استخدام الجيش الاسباني للقوة المفرطة، ضد أشخاص بالغين وقاصرين وإلقاء بعضهم في البحر”، فيما أظهرت لقطات مصورة، نقلتها وكالة “رابتلي”، استخدام الجيش الإسباني للغاز المسيل للدموع، لمنع المهاجرين من عبور السياج الحديدي للمدينة المحتلة.

وللإحاطة بحيثيات هذا الموضوع، اتصلت “le12.ma” عربية بـ”إدرس لكريني”، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية،ضمن فقرة ثلاثة أسئلة.

حاوره: تقي الدين تاجي

*الجيش الاسباني، استعمل عنفا مبالغا فيه، في مواجهة آلاف المهاجرين.. باعتقادك على ماذا يؤشر ذلك، علاقة بتعاطي اسبانيا مع ملف الهجرة؟

أولا المقاربة الاسبانية كما هو الشأن بالنسبة لعدد كبير من دول الاتحاد الأوروبي، تُغلب الهواجس الأمنية، على الجوانب الإنسانية والاجتماعية لظاهرة الهجرة بكل أشكالها، ودخول عدد من المهاجرين السريين سواء مغاربة أو من دول افريقية أو من دول عربية أخرى، كان محكاً لقياس طبيعة التعامل الاسباني مع ظاهرة الهجرة بشكل عام، بحيث تبيّن، أنه كانت هناك تدخلات واستعمال لغازات مسيلة للدموع، ووصل الأمر الى استعمال الرصاص المطاطي، وهذه بطبيعة الحال كلها مؤشرات تبرز لنا الوجه الآخر لإسبانيا،  كما هو الشأن بالنسبة لمجموعة من الدول الأوروبية، التي مع الأسف تحاول الدفع بدول الضفة الجنوبية، كما هو الحال بالنسبة للمغرب، الى لعب دور الدركيأو شرطي المرور، وهو الدور الذي ظل المغرب دائما يرفضه، ويطالب بالتعاطي مع ظاهرة الهجرة،  بأسلوب شمولي يستحضر الأبعاد والخلفيات الحقيقية التي تغدي الظاهرة، سواء منها الاقتصادية الاجتماعية، والأمنية أيضا. طبعا، الآن الحكومة الاسبانية هي في ورطة حقيقية نتيجةً لتنامي الاستياء الشعبي داخل اسبانيا، من مسؤوليتها على توتير العلاقات مع حليف استراتيجي وشريك مهم هو المغرب، بدون تقديم إجابات مقنعة. ويبدو أن الكثير من الفعاليات الاسبانية والمجتمع الاسباني بدا يعي فعلا، أن السبب الرئيسي في توتير هاته العلاقة، ليس هو الأحداث الأخيرة المرتبطة بدخول مجموعة من هؤلاء المهاجرين السريين الى سبتة المحتلة، بل الأمر يتصل مباشرة بقبول اسبانيا بدخول شخص مطلوب قضائيا، ومتهم في جرائم خطيرة، بهوية مزورة ودون اشعار السلطات المغربية، علما بأن هذا الشخص، لديه مواقف مناوئة للوحدة الترابية المغربية، ويلوح دائما بتهديدات باستعمال القوة ضد المغرب، وبالتالي فإن هذا السلوك من منظور القانون الدولي، هو عدوان واعتداء حقيقي.

*ما هي قراءتكم للازدواجية التي تتعامل بها اسبانيا في قضايا حقوق الإنسان، ففي الوقت الذي تحاول فيه إعطاء الدروس للمغرب، تتورط قواتها في انتهاكات فضيعة؟

حقيقة ًما وقع في الآونة الأخيرة، هو محك حقيقي لقياس مدى احترام اسبانيا لحقوق الإنسان، وفي الوقت الذي تدعي فيه أنها استقبلت زعيم البوليساريو لدواعي إنسانية، تتنكر لمعاناة إنسانية لعدد من ضحاياه، ومنهم مع الأسف وللغرابة من يحمل الجنسية الاسبانية، ومن ناحية أخرى نلاحظ أن هناك مبالغة في التعاطي الأمني، مع ظاهرة الهجرة، وخصوصا مع المهاجرين بمن فيه القاصرين الذين دخلوا إلى سبتة المحتلة، وهو ما يبرز التناقض ما بين الخطاب والممارسة. وأعتقد أن اسبانيا إذا كانت جادة في ما يتعلق بالتعاطي الإنساني، فعليها أن تمنع الإفلات من العقاب بالنسبة لغالي زعيم البوليساريو، والعمل على تحريك وتفعيل المساطر القضائية لإنصاف الضحايا، ولا ننسى أن اسبانيا لها مجموعة من المحطات السوابق السلبية في مجال انتهاك حقوق الانسان، وهنا  نستحضر الملف الذي أعتقد أن المغرب لا زال لم يفتحه، والمتعلق باستعمال الغازات السامة في منطقة الريف، في بداية القرن الماضي وإبّان تنامي المقاومة في شمال المغرب، لمواجهة الاستعمار الاسباني، ولا زالت اسبانيا صامتة على هذا الملف، رغم وجود تقارير تتحدث عن ارتفاع حالات الإصابة بالسرطان في هاته المناطق، دون أن تقوم بتحرك على مستوى إحداث مبادرات، مرتبطة ببناء مستشفيات وتعويض الضحايا إلى غير ذلك.

وأعتقد أن هذه كلها معطيات تبرز لنا التناقض، ما بين الشعارات والخطابات، والممارسة من ناحية أخرى. وهذا التناقض موجود حتى على مستوى التأكيد على أن اسبانيا ترغب في تعزيز علاقاتها مع المغرب، والمحافظة على شريك اقتصادي، في حين أنها بالمقابل تقوم بممارسات تسيء وتمس بسيادة المغرب ومصالحه الإستراتيجية.

*هل يمكن للمغرب أن يتجه إلى قطع علاقاته مع اسبانيا بعد الأحداث الأخيرة. أم أن ما وقع لا يعدو كونه “قرصة” أذن لإسبانيا، من أجل مراجعة مواقفها المناوئة للمصالح العليا للمغرب؟

المغرب أعطى في الآونة الأخيرة مجموعة من الرسائل لإسبانيا، أولها أن التعاون المغربي هو تعاون جاد وتنسيق جاد، واسبانيا ينبغي أن تنخرط في تعاون متوازن، ذلك أن دخول عدد كبير من المهاجرين في ظرف وجيز، بغض  النظر عن سياقاته وأسبابه، يعتبر بمثابة إشارة على أن المغرب، يلعب دورا كبيرا في حماية الضفة الجنوبية لأوروبا ومنطقة المتوسط، ومن ناحية أخرى وهو أن المغرب كذلك، يُبدي  تعاونا مع اسبانيا، على مستويات أمنية واقتصادية الى غير ذلك، وأيضا الإشارة التي أرسلها  وزير الخارجية المغربية يوم أمس، بأن على  اسبانيا استيعاب التحولات والمتغيرات والتطورات التي قطعها المغرب،  والتي تفرض على الجارة الشمالية، القطع مع تلك الصورة النمطية التي ترسخت لها عن المغرب، وتستحضر بالمقابل سيادته وحسن الجوار، بعيدا عن تلك النظرة الاستعمارية الماضوية، التي لا زلت تنظر الى المغرب بعين الاستصغار، فالمملكة اليوم أضحت قوة إقليمية، ولديها كذلك مجموعة من عناصر القوة ،التي يمكن أن توظفها في مواجهة أي انحراف اسباني، بما في ذلك قطع العلاقات فهذا ليس أمرا مستبعدا، في حال ما تمادت اسبانيا في سلوكياتها المناوئة لمصالح المغرب، واذا لم تستوعب الرسائل المرسلة لها. وبالمقابل أعتقد أن المغرب واعِ كذلك بضرورة تعزيز علاقاته مع هذا البلد، وبالانكباب على القضايا الحقيقية التي تهم الطرفين، في إطار من احترام سيادة البلدين، وفي إطار من حسن الجوار، وفي إطار كذلك من احترام متطلبات حسن الجوار، فالأزمتين الأخيرتين هما محطتين يُفترض أن يتم، من خلالها وضع النقاط على الحروف، لدفع اسبانيا الى مراجعة سياساتها، وكذا مراجعة تلك النظرة السابقة، التي لم تتخلص منها بعض النخب الاسبانية.

*مدير مختبر الدراسات الدستورية وتدبير الأزمات بجامعة القاضي عياض

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *