حميد بويبيش*
يمكن المتابع للإعلام الأوروبي اليوم أن يستشف مدى الحقد الدفين لهؤلاء على المغرب، فأوروبا لم تستسغ التقارب الأمريكي -المغربي وهي التي طالما استغلت مشكل الصحراء للضغط على المغرب في عدة ملفات حساسة بالنسبة إليها. وكما يقول المغاربة في الجهة الشرقية “لعريف ما يْنسى هزّ لكتاف”! وبمعنى آخر، عادت حليمة إلى عادتها القديمة.
أوروبا هي مجموعة من الدول الاستعمارية، نهبت خيرات الشعوب الإفريقية سابقا وتريد العودة. أوروبا تسير نحو التفكك والانقسام وتشعر بأن عالما جديدا قيد التشكل تقوده الصين وتنافسها الولايات المتحدة الأمريكية، بينما الدول الأوروبية توشك على الانهيار.. فبريطانيا غادرت المركب الأوروبي قبل أن يغرق لكي تمتلك حريتها في يديها. ولم يبق لأوروبا إلا إفريقيا ومستعمراتها السابقة وتسعى إلى التحكم في مصيرها وقتا أطول لأنها بدونها ستنزلق إلى مرتبة دول العالم الثالث.
ومع إعادة ولادة الديمقراطية في إفريقيا ورغبة الشعوب الإفريقية في التحرّر من تبعيتها للغرب، إذ وجدت في البديل الصيني الشريكَ الذي يضمن مصالحها ويناسب احتياجاتها في إطار المنفعة المتبادلة، يحاول الاستعمار الجديد عرقلة المسار الجديد لهذه الدول وممارسة كل أشكال الابتزاز والسيطر. ومع ظهور جائحة كورونا بدأ العالم يشهد تشرذما وطغيان لعبة المصالح وغياب روح التعاون والتضامن والتكافل بين الدول والشعوب، مثل ما حدث في إيطاليا، إذ واجه هذا البلد الأوروبي وحده جائحة كورونا أمام لامبالاة حلفائه الأوروبيين، ولولا روسيا، العدوة/ الصديقة لكانت الكارثة أعظم.
وفي خضمّ هذه التحولات السريعة وسياسة أنا ومن بعدي الطوفان، وجد المغرب نفسه مضطرا إلى التحرك على عدة واجهات: مواجهة جائحة كورونا ومحاولة الحد من آثارها الاقتصادية والاجتماعية، من جهة، وإحباط كل المؤامرات التي كانت تحاك ضده من طرف أعداء وحدته الترابية.
وبعد نجاحه في تجاوز الأزمة الصحية والحفاظ على مناعته المالية والاقتصادية وحسن تدبيره لجائحة كورونا، بشهادة العالم، لم تستسغ بعض الدول الاستعمارية القفزة النوعية للمغرب واستغلاله للأزمة لتطوير قدراته الذاتية والاعتماد على إمكاناته الاقتصادية وفتح آفاق جديدة للتعاون مع دول أخرى وفق معادلة رابح -رابح. واكتشفت بعض الدول الأوروبية أن المغرب يتحول، رويدا رويدا، إلى قوة صاعدة منافسة، تنهج سياسة جديدة وتختار شركاءها بكل استقلالية، بعيدا عن سياسة الابتزاز والعلاقات حسب الطلب.
وإسبانيا من بين الدول الأوروبية التي طالما عاملت المغرب باستعلاء. وما زال الفكر الاستعماري يعشّش في عقول قادتها السياسيين، متربعين في برجهم العاجي، فوجدوا صعوبة في استيعاب التحولات التي شهدها المغرب في ظرف وجيز وكيف استطاع بناء موانئ وتشييد مطارات وطرق وسكك حديدية ومدن حديثة تضاهي مدنا أوروبية وتصبح موانئه تنافس اكبر موانئها، وتتسابق الدول العظمى إلى إبرام اتفاقيات وشراكات إستراتيجية معها، فلم تجد سبيلا سوى التقرب إلى عدو المغرب الأبدي والحاقد، نظام الجنرالات في الجزائر، لتضع يدها في يده والخوض في الماء العكر، اللعبة المفضلة لجارة السوء الجزائر، التي لا تملك هوية ولا تاريخا ولا حضارة ، صنعها الاستعمار وتحنّ إلى عودته، فوجدت ضالتها في إسبانيا الاستعمارية.
إن التحولات على المستوى الإقليمي والدولي تفرض على الحكومة الإسبانية تغيير طبيعة التعاطي مع المغرب كقوة صاعدة، بمقاربة براغماتية تحت معادلة رابح -رابح بعيدا عن اللهجة الاستعمارية التي ستعمّق التنافر عبر استعمال ورقة الصحراء المغربية للابتزاز. وستجد آنئذ في المغرب، البلد الجار والمتعاون والشريك الاقتصادي في إطار الثقة المتبادلة التي ينبغي بناؤها والحفاظ عليها.
أما المواطن المغربي الغيور على بلده، فهو مطالب بدعم وطنه في مثل هذه الظروف والوقوف سدا منيعا أمام أطماع المتربّصين بوحدته الترابية والمحبَطين بسبب استقراره السياسي وتماسك جبهته الداخلية والابتعاد عن انزلاقات بعض التيارات التي تتبنى إيديولوجيات أكل عليها الدهر وشرب وتجاوزها الزمن.. والعالم لا يرحم الضعفاء.
**
*مدون