le12.ma -و. م. ع.

 ما زال الفاعلون في سوق الشغل في المغرب، سواء تعلّق الأمر بمقدّمي طلبات العمل أو بالباحثين عن فرص شغل، يواصلون تحمّل عبء الأزمة الصحية الناجمة عن تفشّي فيروس كورونا المستجدّ منذ بداية السنة الجارية، ما أدى إلى هيمنة مناخ “قاتم”، على أمل ظهور أدنى بصيص أمل يتيح تغيير الوضع إلى الأفضل.

وأكدت المندوبية السامية للتخطيط هذه الظرفية الاقتصادية الصعبة، إذ كشفت، مؤخرًا، أن الاقتصاد الوطني فقد 202 ألف منصب شغل بين الفصل الأول من 2020 والفصل من السنة الجارية، بعد إحداث 56 ألف منصب عمل في المناطق الحضرية، مقابل فقدان 258 ألف منصب في العالم القروي، وهو رقم يبدو “مقلقا”، خاصة إن قارنّاه بالفترة نفسها من 2020، عندما سجل سوق الشغل إحداث 77 ألف فرصة عمل.

لكنْ لا بد من الإشارة إلى أنه من بين هذه الـ202 ألف منصب شغل المفقودة كانت الغالبية العظمى من المناصب غير المؤدى عنها، بما لا يقل عن 185 ألف منصب شغل. ويشمل هذا النوع من العمل، الذي يتكون مما يناهز 98 في المائة من المساعدين العائليين، أساسا، الفلاحة وبعض الأنشطة الصناعية التي فقدت قدرتها التنافسية.

ووضح عمر إيبورك، الباحث في مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، أنه يمكن تفسير هذا التراجع بالانخفاض المتواصل لحصة القطاع الفلاحي في مناصب الشغل في المناطق القروية خلال السنوات القليلة الماضية، لصالح القطاع الثالث، لتصل إلى 67.5 في المائة خلال الفصل الأول من 2021، مقابل 76.9 في المائة خلال الفصل الأول من 2020.

وأبرز إيبورك، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه رغم الانخفاض في أعداد المساعدين العائليين، فقد انتقل معدل الشغل الناقص من 8.8 في المائة إلى 9.2 في المائة، أي بزيادة تقارب 34 ألف شخص (من 954 ألفا إلى 988 ألفا) مشيرا إلى أن الشباب هم الفئة المعنية في المقام الأول، إذ بلغ معدل الشغل الناقص 13.6 في المائة.

 وفي ما يتعلق بتوقعاته الخاصة بالشهور المقبلة، أكد المتحدث ذاته أنه يمكن التنبؤ، إلى حد ما، بدينامية العرض على المدى القصير، لكن تطور الطلب يظلّ رهينا بالعديد من الديناميات، بما في ذلك تلك المتعلقة بتدبير الأزمة الصحية الحالية، على الصعيدين الوطني والدولي.

وأبرز إيبورك أنه يتعين أخذ سرعة تحقيق أهداف حملة التلقيح، سواء في المغرب أو في البلدان الشريكة، بعين الاعتبار عند وضع التقديرات الخاصة بآفاق النشاط العام، وبالتالي طلبات العمل. وتابع أن الطابع “غير المؤكد” لهذه السرعة يمكن أن ينعكس على قرارات الفاعلين، خاصة المستثمرين الخواص.

وفي ما يتعلق بالاستثمار العمومي، الذي يعدّ محركا أساسيا لطلب العمل، فإنه يبدو طموحا، على الرغم من الجدل الذي يثيره عندما يتعلق الأمر بالمساهمة العمومية الفعلية.

كما شدّد هذا الباحث البارز في مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد على ضرورة مراعاة درجة صمود المقاولات في مواجهة الصدمات الناتجة عن أزمة كورونا، مؤكدا أن الدروس المستخلَصة خلال السنوات الأخيرة تشير إلى أن المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة هي الأكثر هشاشة، بينما تظلّ مساهمتها كبيرة في توفير فرص العمل. وأشار في هذا السياق إلى أن إجراءات الدعم التي اتخذتها الحكومة مكّنت من الوفاء ببعض الالتزامات، وأعطت، حتى نهاية العام الماضي، دفعة جديدة لعدد من الشركات.

في المقابل، كشفت المعطيات الصادرة عن “Inforisk” ارتفاع حالات إفلاس الشركات بنسبة 15 في المائة خلال الفصل الأول من 2021، مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية، ما يؤكد تأثير أزمة كورونا فيها.

ومن جهة أخرى، ذهب إيبورك إلى أنه في ظل توقعات بتسجيل محصول جيد من الحبوب (98 مليون قنطار من الحبوب) فإنه من المرتقب أن يحقق المغرب نموًا يفوق 4.8 في المائة، التي كانت متوقعة في البداية مع فرضية تسجيل محصول حبوب يبلغ 70 مليون قنطار.

وأبرز المتحدث ذاته أنه “لا توجد هذه الفرضية فقط، فتلك المتعلقة بأسعار المواد الأولية لا تبدو مواتية بالنظر إلى التطورات الأخيرة التي شهدتها بعض المواد الأولية في الأسواق العالمية”.

وموازاة مع ذلك، أبرز إيبورك أن النمو الاقتصادي يصاحبه على المدى الطويل تغيّر في بنية العمل والإنتاج، وذلك بفعل التغيّرات التي تؤثر على الطلب والتطور التكنولوجي والتخصص الدولي.

وإضافة إلى الآليات المعتمدة لتعزيز إحداث فرص الشغل والحفاظ عليها لدى الشباب والأشخاص النشيطين، فإن الاستثمار في العمل على نطاق واسع أمر حتمي أكثر من أي وقت مضى من أجل العودة إلى المسار الصحيح.

وخلص الخبير المغربي إلى أنه ينبغي تطوير الأنشطة المدرّة لأكبر عدد من مناصب الشغل، مثل تلك المتعلقة بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني، والأعمال ذات المنفعة العامة، إضافة إلى تسريع محاربة الأمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *