أعدها للنشر: المصطفى الحروشي

“رجاء لا تطلب مني أن أصمت”.. “اسمح لي بأن أتنفس”… بمثل هذه العبارات يخاطب “اللاجئ” مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، القائد السابق لما يسمى بجهاز الشرطة لدى ملشيات جبهة “البوريساريو” من يطالبونه الكف عن خط حكايات بخط اليد حول أهوال الجحيم، هناك في مخيمات الحديد والنار والقمع والحصار في تندوف فوق التراب الجزائري.

جريدة “le12.ma” تنشر طوال الشهر الفضيل حلقات سيرة ذاتية بطلها إنسان بعنوان “الخروج من فم الثعبان” يروي أسرار تفاصيلها مع عاش تفاصيلها.

*لا تطلبوا مني أن أصمت

حسموا أمرهم بأن قرار الإبعاد نهائي، ويجب تنفيذه بأية وسيلة كانت. وكنت ما زلت معزولا عن العالم. لا أدري ماذا حصل منذ لحظة اختطافي مساء 21 شتنبر، ولا يريدون لي أن أعرف. وجرت تحت سقف خيمة الزنزانة مفاوضات على مستوى عال مع الجبهة، وكانت الجبهة واضحة في أن:

-استمرار الاعتقال يعني استمرار الضغط عليها من الخارج والداخل؛

المحاكمة في غياب حجج دامغة غير الرأي السياسي غير مقبولة دوليا

-الإفراج عني والسماح لي بدخول المخيمات معناه تكذيب لكل دعاية الجبهة حول العمالة والخيانة وما إلى ذلك، والسماح برأي غير الرأي الواحد، وبالتالي انهيار كل ما بني على مدار 37 عاما..

وليس أمامي من خيار غير قبول المنفى أو الاغتيال بصيغة “وإن تعددت الأسباب فالموت واحد”. وكانت عواصم غير الجزائر تعرف هذا القرار. وانتهى نقاش جزئية قرار الإبعاد عن المخيمات والمناطق الصحراوية التي تسميها الجبهة “محررة”.

وفي موضوع الأبناء أرادت الجبهة أن تخفّف خسارة كل ما كانت تسوقه على المستوى الحقوقي بسبب اعتقالي، بتحقيق مكسب سياسي من خلال دفع المفوضية السامية لغوث اللاجيين إلى الدخول إلى منطقة “مهيريز” حيث كنت معتقلا من أجل جمعي بأسرتي قبل ترحيلي. وبالتالي الاعتراف للبوليساريو بممارسة نوع من السيادة على تلك المناطق.. لكن مفوضية غوث اللاجيين اعتذرت لأن موظفيها لا يستطيعون الدخول إلى أية منطقة دون التعاقد مع سلطة معترف لها بالسيادة دوليا.. وبالتالي لا يمكنهمإحضار عائلتي إلى منطقة “مهيريز” حيث ما زلت معتقلا ومخفيا.

أصرّت الجبهة على موقفها أن موضوع جمعي بعائلتي أصبح شأنا يخصّ مفوضية غوث اللاجيين. وفي اتصالهم معي، أخبرني مكتب المفوضية من جنيف بأنهم يقترحون حلا وسطا: أن أقبل الخروج إلى الأراضي الموريتانية التي لها حدود مع البوليساريو. وفي موريتانيا سيُلحقون بي عائلتي. ووافقت على عرضهم.. لكنْ طُرح إشكال: كيف سأخرج من مناطق البوليساريو؟ واقتُرح أن تخرجني قوات بعثة “مينورسو” الموجودة شرق الحزام.

ومساء 7 نونبر أخبروني في المعتقل بأنه سيتم ترحيلي صباح الغد في طائرة تابعة لبعثة “مينورسو” من منطقة “آغوينيت” إلى الأراضي الموريتانية، في الثامنة صباحا. وكانت منطقة “آغوينيت” تبعد عن المعتقل بحوالي 500 كلم. ولم ينطلق الموكب الذي سيقلني الى “آغوينيت” حتى العاشرة ليلا لضمان ألا يراهم أحد، خاصة أنهم سيعبرون جزءا من الأراضي الموريتانية شمال “بير أم اغرين”. ولأن المسافة بعيدة والوقت ضيق والسير دون أضواء سيعيق الموكب، قرروا، بعد ساعة بعد بدء الرحلة، أن تقلني سيارة واحدة يمكنها أن تشعل الأضواء و لا تثير شبهة.. ورغم ذلك لم تصل تلك السيارة منطقة “آغوينيت” قبل منتصف نهار الغد، بسبب طول المسافة ووعورة المسالك، ما أجّل موعد الترحيل إلى الغد.

في اليوم الذي كان مقررا لترحيلي (8 نونبر) تم تفكيك مخيم “أكديم إزيك”.. وتغيرت المعطيات كليا.. فلم تعد قوات “مينورسو” راغبة في نقلي حتى لا تجبَر على الدخول في المواضيع المتعلقة بحقوق الإنسان، التي لا تدخل ضمن اختصاصات البعثة.

وبدأت رحلة البحث عن سبيل جديد لخروجي من المعتقل الجديد الذي حولت إليه في الجنوب. وفي منطقة “تيرس” في الجنوب لا توجد أودية، كما في الشمال، لذلك كنت أُخفى في الجبال، خاصة جبال “لقطيطيرة”، جنوب “آغوينيت”.

وأذكر أنه في يوم تفكيك مخيم “أكديم إزيك” تعمّد ضابط الأمن أن يُسمعني

خطاب محمد عبد العزيز عبر المذياع وهو يقول إن “هناك عشرات الجثث متناثرة في شوارع العيون ويناشد العالم للتدخل لحمايتهم”. وكنت حليما، وقد صدَقت، فلم أظن أنه يمكن أن يصل الى هذه الدرجة من الكذب، ونسيت أن كل ما تركتُ خلفي مبنيّ على الكذب والخداع!..

في منتصف نونبر أخبرني مكتب المفوضية، عبر هاتف ضابط الأمن، بأنهم توصلوا إلى تسوية مع موريتانيا مفادها أن تنقلني قوات الجبهة إلى نقطة داخل الأراضي الموريتانية، ومن تلك النقطة سيأتي أشخاص من مكتب المفوضية لنقلي تحت حماية الجيش الموريتاني.

ومساء يوم 29 نونبر تم نقلي إلى منطقة جبلية ما بين “آغوينيت” ومدينة زويرات الموريتانية.

وللحكاية بقية…    

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *