تقديم جواد مكرم / تحليل نبيل دوريش

 خنق الناخبون الأسبان، خلال الانتخابات الجهوية، أحزاب الظاهرة الشعبوية، بما وضع حد لنهاية دراماتيكية لعرابها وأحد كبار داعمي الطرح الانفصالي لجبهة البوليساريو، بابلو ايغليسياس حزب بوديموس، الذي إعتزال السياسية عقب الهزيمة المدوية لحزبه.

 وللتعرف أكثر عن المشهد السياسي في الجارة الشمالية،  يضع نبيل درويش، الكاتب الصحفي المغربي المتخصص في الشأن الإسباني، نتائج الانتخابات الجهوية تحت مجهر الدراسة والتحليل.

ويقدم كاتب مؤلف “الجوار الحذر”، بين الرباط ومدريد، في هذه الورقة كذلك، قراءة في النهاية السياسة الحتمية لأحزاب الظاهرة الشعبوية، وماذا يعني عودة اليمن الشعبي المتطرف للواجهة السياسية في إسبانيا عبر نافذة الانتخابات الجهوية، التي عادة ما تقود حتمًا إلى تطابق نتائجها خلال الانتخابات الوطنية.

*نبيل درويش

 

الانتخابات الجهوية بمدريد التي جرت اليوم قد تكون بداية تغيير عميق في المشهد السياسي الاسباني المنقسم منذ نهاية عام2015، فاندحار حزب بوديموس واحتلاله للمرتبة الأخيرة جعل زعيمه الأوحد بابلو ايغليسياس يستقيل من الحياة السياسية أمام تقدم لحزب ماس مدريد الذي كان يشكل الجناح المعتدل نسبيا داخل حزب بوديموس بقيادة انييغو اريخون قبل انشقاقه وشقه لطريقه الخاص.

 حزب بوديموس ارتبط منذ البداية بشخص بابلو ايغليسياس، نجم النقاشات التلفزيونية آنذاك واستاذ العلوم السياسية الذي كان يكرر أن راتبه لم يكن يتحاوز 900  يورو، كانت هناك صورة تجمعه مع المؤسسين الأوائل للحزب في المؤتمر التأسيسي بفيستا اليغري.

 رحل كل من كان في الصورة ولم يبق غيره وزوجته في الحزب، واليوم يرحل ومعه تصبح نهاية الحزب وشيكة.

 أما سيودادانوس، فقد اختفى مواطنوه وتفرقوا على القبائل الحزبية الأخرى يمينا ويسارا، وهو الحزب الذي وصل إلى القمة قبل سنوات قليلة وكان يراهن على إزاحة الحزب الشعبي من عرش اليمين إلى درجة تغيير هوية سيدادانوس من حزب تقدمي إلى ليبرالي خلال مؤتمره الوطني الأول بمدريد، فكان أقصى ما يطمح إليه هو فوزه بأي مقعد في هذه الانتخابات، لأن عدم تحقيقه لهذه النتيجة يعني موته السريري.

 بدأ الحزب أول حملاته الانتخابية بكطالونيا عام 2006 بصورة  دعائية تظهر زعيمه المستقيل البير ريبيرا عاريا ليقول لناخبين إنه مرشح شفاف إلى درجة كبيرة، وفي الواقع لم يكن هناك شيء يمكن  لريييرا ورفاقه أن يصدم  به الناخب  الكطالاني ويدفعه للتصويت للحزب الوليد غير تلك الصورة.

لكنه اليوم يغادر الحياة السياسية عاريا أيضا كما دخلها أول الأمر، اللهم من إحساس جارف بالفشل، بدأ الحزب كفكرة بين أصدقاء محسوبين على اليسار، رفاق من زمن الأمس القريب  يحتجون على تدريس اللغة الكطالانية وتهميش القشتالية بكطالونيا وناقما على الحزب الاشتراكي الكطالاني.

 صار مع بزوغ فجر الانفصال ورقة لتوحيد البلاد ومناهضة سيول القومية الجارفة، قبل أن ينكمش طموحه ويصير اكبر أحلامه أن يتنفس حفنة من الاوكسجين قد تبقيه على قيد الحياة.

 أما بديله بشكل من الأشكال حزب فوكس، فمازل له صوت يعبر عنه، صامدا على أقصى يمين  المشهد لأنه الجواب المطروح على فورة القومية الكطالانية، بينما، الحزب الشعبي فقد خرج من اعصار الفساد سالما رغم كل الكدمات والكسور وحوادث السير التي رافقته في السنوات الأخيرة.

 نتائج الانتخابات هي أيضا جرس تحذير يرن في أذن الحزب الاشتراكي الإسباني، تغييرات عميقة تشهدها إسبانيا، كانت انتخابات اليوم جهوية، لكن برهانات وطنية كبيرة. فعندما تقول مدريد كلمتها تكون إسبانيا كلها آذانا صاغية.

*كاتب /صحفي متخصص في الشأن الإسباني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *