بروكسيل -عادل الزعري الجابري 

عادة ما تبادر مصلحة العمل الخارجي التي تدبر العلاقات الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي للتدخل بسرعة عندما يتعلق الأمر بقضايا فرعية، بانتخابات في مناطق بعيدة أو مناوشات مع روسيا أو تركيا أو الصين..

هكذا يتنافس المتحدثون باسمه على فن الإقناع عندما يتعلق الأمر بمدح شريك للغاز أو وعظ “تلميذ سيء” بنبرة تهديدية. وفي هذه الحالة، غالبا ما يتم التلويح ببطاقة حقوق الإنسان أو الهجرة كوسيلة ضغط.

ورغم ذلك، يحدث أن مصلحة العمل الخارجي بالاتحاد الأوروبي نفسَها، التي يرأسها الإسباني جوزيب بوريل، تغرق في صمت رهيب عندما يتعلق الأمر بقضايا دقيقة تعني بلدا عضوا، على غرار تلك التي تشمل اليوم إسبانيا في “فضيحة” استقبال مجرم حرب على أراضيها بهوية جزائرية مزورة.

لا داعي للتفصيل في حيثيات هذه القصة ذات الطعم السيئ، لكن من المهم التذكير بأن نقل المدعو إبراهيم غالي، المتابع من قبَل العدالة الإسبانية بتهم الإبادة الجماعية، الإرهاب، الاغتصاب، الاختطاف والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، “جرى التفاوض بشأنه على أعلى مستوى بين إسبانيا والجزائر”، كما أوردت ذلك صحيفة “لاراثون”.

البعض يتفق على الفراغ الذي لا يطاق للدبلوماسية الأوروبية ومحدودية نطاق تحركها. هذا ما تؤكده الأنباء الأخيرة بشأن الزيارة التي قام بها جوزيب بوريل إلى موسكو، والتي تحولت إلى كابوس بطرد ثلاثة دبلوماسيين أوروبيين تزامنا مع ذلك، أو قضية “صوفاغيت”، التي حدثت في تركيا بعدما ظهرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، وهما يتنازعان حول من سيجلس على الكرسي تحت أنظار الرئيس رجب طيب أردوغان المستمتعة.

وكما هو الشأن بالنسبة إلى قضية المدعو إبراهيم غالي، الذي أطلق عليه المهرّبون الجزائريون الرسميون لقب “بن بطوش”، تلزم رئاسة الدبلوماسية الأوروبية صمتا مطبقا حول الظروف اللاإنسانية التي يعيش فيها السكان المحتجَزون في تندوف، والتي زادها تأزّما قرار الجزائر المتعلق بتفويض سلطاتها في هذه المنطقة لمرتزقة “البوليساريو”.

ليس هناك أيضا من رد فعل نشط وملتزم من قبل الاتحاد الأوروبي حول الدينامية التي تشهدها اليوم قضية الصحراء، لا سيما في أعقاب الاعتراف الأمريكي بسيادة المملكة المغربية على هذه المنطقة، باستثناء التصريحات “المحتشمة” حول “دعم الحل السياسي”. باختصار منطق الحد الأدنى.

كما تغيب مصلحة العمل الخارجي بالاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية عندما يتعلق الأمر بالاطلاع على تجنيد الأطفال في مخيمات تندوف أو اتخاذ موقف بهذا الشأن.

وفي إجابة أقل ما يقال عنها اإنها مفاجئة ردا على سؤال طرحه نائب برلماني أوروبي بشأن هذا الوضع، أكد جوزيب بوريل أن “مصلحة العمل الخارجي بالاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية ليس لديهما علم بتجنيد الأطفال من قبَل جبهة “البوليساريو” أو مشاركتهم في استعراضات عسكرية”. ورغم ذلك، تم طرح هذه القضية بوضوح من قبَل مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة في جنيف، وليست الدلائل بالوثائق والصور هي ما ينقص..

والجدير بالذكر أن نائبين برلمانيين أوروبيين أثارا انتباه الاتحاد الأوروبي إلى فضيحة المدعو غالي في إسبانيا.

وتساءل النائب البرلماني الأوروبي، أتيلا آرا كوفاكس: “بصفتي مواطنا أوروبيا، أتساءل كيف يمكن للحكومة الإسبانية أن تسمح لمجرم سيء السمعة (إب. غالي، بوليساريو) بدخول أوروبا؟”..

واعتبر أن التعاون بين “البوليساريو” والجزائر وإسبانيا في هذه القضية “غير مقبول من الناحية الأمنية” و”يتعارض مع القيم الأوروبية”.

من جانبه، قال النائب البرلماني الأوروبي التشيكي، توماش زديتشوفسكي: “كيف يمكن أن تسمح السلطات الإسبانية بالدخول غير القانوني بهوية مزورة لشخص مثل إبراهيم غالي، المتهم بارتكاب أعمال اغتصاب؟”.. وقال “هذا يتعارض مع قيمنا ومبادئنا”.

الصمت المريح للدبلوماسية الأوروبية اليوم بشأن قضية غاية في الخطورة مثل استقبال مُدان سيئ السمعة من قبل دولة عضو “ديمقراطية وتحترم حقوق الإنسان” بهوية مزورة، حتى يفلت من أيدي العدالة، يكاد تصبح صمتا متواطئا، شيكا على بياض للمجرمين والمغتصبين لأنه.. من لا يقول شيئا، يوافق!..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *