*محمد البقالي
عشر سنوات مرت على كتابة  هذا النص!  فلا أكاد أصدق أن عقدا كاملا قد مر!.
أكاد أشاهد التفاصيل كأنها حدثت قبل قليل!  
أتذكر الوجوه والأصوات… وحدها تلك الرصاصة الطائشة لم أعرف أنها مرت فوق رؤوسنا الا أيامًا بعد ذلك عندما شاهدت فيديو  “الهروب الكبير” صوره أحدهم بالهاتف ونشره  على يوتيوب. 
الحلقة الثالثة بعنوان:”ساورني إحساس بأن النهاية قد حانت…. تذكرت أمي”.
جريت بأقصى ما أستطيع من سرعة.. نسيت طبعا أن أجري بخط متعرج..
والخوذة… تلك التي يفترض أن تحميني من الرصاص، اختارت أسوأ توقيت لتطير من على رأسي… أثناء لحظة الجري…
وصلت إلى سيارة الجيش التونسي سالمًا ..بداخلها يحتمي جنود .. وخلفها صحافيون تعرفت من بينهم على صحافيين يعملان في صحيفة لوموند الفرنسية…
بقينا هناك لبضع دقائق… هي كالدهر… أسمع الأنفاس من حولي تتعالى… وفي العيون ألمح الخوف… الجميع احتمى بالصمت… ومن تكلم فهمسا….
 فجأة اشتد القصف أكثر فأكثر…
وفجاة أيضا قرر العسكري الجالس وراء مقود السيارة العسكرية أن يخلي المكان…. انسحابا أو فرارا  لا أردي…
 لكنه لم يمنحنا فرصة الصعود جميعا  إلى السيارة … 
انطلق لا يلوي على شيء.. كنت احتمي بخلفية السيارة… حين اكتشفت أنها تتحرك… حاولت التمسك بها والصعود ..لكن العسكري كان قد انطلق.. لم تثنه عن ذلك صرخات الصحافيين داخل السيارة..
 صحافي حاول مساعدتي على الصعود أثناء حركة السيارة.. أمسك بيدي لكن الآوان كان قد فات… السيارة تمشي بسرعة… تجرني خلفها  عشرات أمتار قبل أن يقرر الصحافي التخلي عني بعدما رأى أن الاستمرار في هذا الوضع قد يودي بحياتي…
 هكذا وجدت نفسي مرميا على الأرض.. والدماء تنزف … ومن حولي يتناثر الرصاص والقذائف…
ساورني إحساس بأن النهاية قد حانت…. تذكرت أمي.. وآلمني الدمع في عينيها إن أنا مت..
الشظايا تتطاير  غير  بعيد عني…
فقدت الإحساس بالزمان والمكان….. فقدت الإحساس بالألم وبالإصابة.. وواصلت فلم يعد لدي ما أخسره…
كنت أنتظر في كل لحظة طلقة تنهي كل شيء…. لكن الأجل لم يكن قد حان بعد.. فقط أصوات الرصاص وشظايا  القذائف المتطايرة في كل مكان …
فجأة لمحت سيارة للمقاتلين .. أو لأقل هم الذين لمحوني.. كان عليها عيسى.. الرجل المسن اللطيف.. 
توقفوا رغم القصف المستمر الذي يستهدفهم… ساعدوني على الصعود إلى السيارة التي انطلقت لا تلوي على شيء..
انبطحنا… هكذا تقول القواعد، (هل قلت إن القواعد لا تصلح إلا للقراءة؟ أحيانا تكون نافعة) … ففوق رؤوسنا مرقت رصاصة لم نلمحها لكنا سمعنا صوتها…
 القصف يتبعنا… ففي السيارة مسلحون… تستهدفهم الكتائب…. والسائق يرغب في الوقوف من أجل الاشتباك مع الكتائب التي تطاردنا… نطلب منه المواصلة إلى حين الوصول إلى مركز للجيش على الأقل … أصرخ قائلا ” الجيش اخويا الجيش “. مصور لوموند الفرنسية يهتف roule roule 
لا يستجيب إلا بعد ان تخرق رصاصة فورب راس الجميع …
في بلدة الذهيبة على بعد كيلومترات! أحسسنا بآمان نسبي… سيارة إسعاف تابعة للحرس الوطني حملتني إلى المستشفى…
لاكتشف اني نجوت .
*صحفي مغربي في قناة الجزيرة لتغطية الحرب الثورة المسلحة الليبية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *