أعدها للنشر: المصطفى الحروشي

 

رجاء لا تطلب مني أن أصمت”.. “اسمح لي بأن أتنفس”… بمثل هذه العبارات يخاطب “اللاجئ” مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، القائد السابق لما يسمى بجهاز الشرطة لدى ملشيات جبهة “البوريساريو” من يطالبونه الكف عن خط حكايات بخط اليد حول أهوال الجحيم، هناك في مخيمات الحديد والنار والقمع والحصار في تندوف فوق التراب الجزائري.

جريدة “le12.ma” تنشر طوال الشهر الفضيل حلقات سيرة ذاتية بطلها إنسان بعنوان “الخروج من فم الثعبان” يروي أسرارها مع عاش تفاصيلها.

*لا تطلبوا مني أن أصمت

نسيت، لكثرة الوجع، أن أذكر أن أمي، التي حُرمت من زوجها كانت حاملا في شهرها السّابع وأنها أنجبت مولودا ذكرا بعد أقل من شهرين في المخيم. سمي المولود -بمباركة الجبهة- على مسمى أحد أعضاء “اللجنة التنفيذية” الذين كانوا وراء ((“تحريرنا”)).

ولن أذكر كيف تدبرت حالها مع الولادة والرضاعة وتربية أطفال صاروا خمسة، أكبرهم سنا يبلغ 12 عاما، جاءت بهم الجبهة إلى المخيم، على عجل، حفاة وما زالوا يرتدون ملابس النوم.. ولست أبالغ فهذا ما حصل. فلم نكن نتصور أن منزلنا الذي احتمينا بجدرانه، سيخذلنا ويتساقط ركاما في لحظة فوق أشلائنا وأشيائنا، بما فيها نعالنا. ولن أوغل في وصف كل ما حصل، فكله وجع في وجع، ولكل فرد منا حكاية.

وأسأل قساوسة ورهبان محاكم تفتيش القرن الحادي والعشرين: تختطفني؟.. تحررني؟.. تأخذني إليك؟.. سمّها ما شئت. فبالكاد أكملت عامي العاشر. وأنت.. أنت من أتيت إليّ و اقتلعتني كالنبتة يوم 6 أكتوبر 1979 من مدينتي السمارة، وأخذتني بـ”رحمتك” لتعيد غرسي في حديقتك في “الرابوني”، بحجة أني كنت سأنمو في تربة مالحة وأنك خشيت علي أن أموت

قبلت أنك “حرّرتني” وأنك إنما أشفقت علي، وشاهدُك أنه لكي تحرّرني دفعت ثمنا غاليا وسقط منك 60 ((شهيدا)) وأن قتل أختَي وتمزيق أسرتي كان “خطأ”، ولو لم تقل لي. وقبلت أن أعيش تحت قماش خيمة بدل منزلنا الإسمنتي، الذي دمرته بالـ”خطأ”، وأن أنسى والدي وأصدقائي، فعليك العوض..

نشأت كما أردتني. درست في المدارس التي تريد وفق المناهج التي تختار. حتى صرت أتقن نطق “واه” و “أرواح” بدل “إييه” و “آجي” اللتين “حرّرتني” منهما.

لا بل صبغت علي محبتك، فصيّرتني لأكون يدك التي تبطش بها وأذنك التي تسمع بها. جعلتني شرطيا، وأي شرطي، سيد الشرطة!

وتطْلُب مني أن أصمت. أنسيت؟ هل نعيد سرد الحكاية، وكيف أنك حررتني، ربّيتني وعلّمتني ودرّبتني تحت راية التحرير. أولسنا أحرارا.

سأنسى أنك قلت، وأكمل الحكاية.. و للقصة بقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *