طلحة جبريل 

 

يبدو أن قطار الحرب في منطقة القرن الأفريقي ووادي النيل يجري على القضبان بأقصى سرعة، بسبب أزمة “سد النهضة”، لكن في الحروب لا يكفي أن يكون في يدك ما تطلق به الطلقة الأولى وإنما يجب أن يكون في يدك ما تطلق به الطلقة الأخيرة.وذلك ليس متاحاً للدول الثلاث السودان ومصر وإثيوبيا.

لا أود أن أقدم عرضاً تاريخياً لأزمة “سد النهضة” لأن هذا الحيز لا يتيح لهكذا إسهاب.لكن أقول باقتضاب إن الأنظمة الشمولية هي سبب هذه الأزمة.

عندما أعلنت أثيوبيا قبل عقدين أي مع بداية الألفية الثالثة، أنها تعتزم تشييد عدة سدود فوق أنهارها، لم يكن هناك أي رد فعل في الخرطوم أو القاهرة، ونحن نعرف من كان يحكم آنذاك في العاصمتين. بعد ذلك جرى توقيع اتفاقية في الخرطوم  بين الدول الثلاث عرفت باسم “اتفاقية إعلان مبادئ وثيقة سد النهضة”، ثم شرعت أثيوبيا في تشييد السد حتى اكتمل ، وبادرت إلى تخزين مياه خلفه، وقررت أن تضاعف الكميات في يوليو المقبل، وقتها أدركت مصر والسودان أن تخزين كميات بمثل الحجم المتوقع سيؤدي إلى تقليص حصتها من مياه النيل الأزرق الذي ينبع من الهضبة الأثيوبية، هكذا بدأت واستمرت الأزمة، إلى أن أضحت تهدد باندلاع حرب بين دولتي حوض النيل وإثيوبيا، خاصة بعد أن فشلت المحادثات بين الدول الثلاث في كينشاسا عاصمة الكونغو الديمقراطية .

اقترح السودان اللجوء إلى لجنة تحكيم دولية رباعية تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي وأميركا، لكن أثيوبيا رفضت الاقتراح ، وهكذا دفعت مياه النيل الأزرق الأمور نحو هاوية، وبدأت طبول الحرب تقرع في المنطقة.

تراهن مصر والسودان الآن على ورقتين حتى لا ينزلق الوضع نحو حرب: الذهاب إلى مجلس الأمن واستصدار قرار ملزم لأثيوبيا بالتفاوض مع الدولتين، وهناك ورقة أخرى للبلدين وهي إيقاف التمويل الدولي للسد استناداً إلى أنه لا يجوز تمويل سدود على أنهار مشتركة وحولها خلافات، كما ينص القانون الدولي.

إذا اندلعت حرب في المنطقة، سيكون من أغرب مفارقاتها أنها بين تحالف سوداني مصري ضد أثيوبيا، التي يقودها ” آبي أحمد علي” الحائز على جائزة نوبل للسلام، والذي يخوض بالفعل حالياً حرباً ضد إقليم التقراي في شمال اثيوبيا تعرف انتهاكات فظيعة، إلى حد إجبار الرجال اغتصاب أقاربهم من الفتيات.

إذا وقعت الحرب لا قدر الله، ستكون بين أقدم ثلاث حضارات في المنطقة، فإذا كانت أثيوبيا بلداً تنام وتصحو على قرون من الحضارة، فإن ذلك ينطبق على وادي النيل وأكثر.

أختم وأقول إن الحروب لم تحل قط أي  مشكلة.  

طلحة جبريل صحافي و كاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *