يكتب عبد المطلب إعميار السياسي والحقوقي، الذي يوصف بالمنظر الحداثي دخل حزب الأصالة والمعاصرة، سلسلة مقالات في نقد مآل فكرة ومشروع حزب خرج من رحم حركة “لكل الديمقراطيين”، من أجل مواجهة الظلام والظلامين وتقديم مشروع سياسي بديل للمغاربة، أوصى مبدع فكرة تأسيسه الراحل إدريس بنزكري، أن يكون مشروعه حداثيا ديمقراطياً، وعنواناً للمغرب الممكن، حيث لا مكان للإسلام السياسي، في ظل نظام سياسي مغربي يقوم على ثابت إمارة المؤمنين..قبل أن يزيغ الحزب عن مساره، ويسقط في حضن تحالف غير مقدس مع الحزب الأغلبي، بشكل مسخ هويته وأتى على مشروعه.. بشهادة مؤسسين قبل المنتقدين.

وتتوزع حلقات مقالات الأستاذ عبد المطلب إعميار ، التي خص بها جريدة le12.ma عربية، حول محاور، عدة لعل من أبرزها: “الأصالة والمعاصرة وأسئلة الهوية المعطوبة” .

في الحلقة الثالثة من هذه السلسلة، يكتب أعميار عن” مؤتمر بدون مشروعية ديمقراطية”

 

*عبد المطلب أعميار

من نافل القول إن الشرعية السياسية لأي تنظيم حزبي لا يمكن أن تتحقق بالشعارات التي يرفعها، ولا ب” وصل الإيداع” القانوني الذي يجعل منه حزبا رسميا معترفا به، ولا بالحظوة الخاصة التي قد يحظى بها في علاقته بالدولة، ولا بانتظام دورات مؤتمراته…بل إنها تتحقق – أولا وأخيرا- بمصداقية ممارسته السياسية وبمصداقية الأشخاص الذين يتحملون مسؤولية تدبير شؤونه من المحلي إلى الوطني، وبمصداقية اختياراته، في علاقته (أساسا) بمرجعيته، وشعاراته، ورهاناته، وقوانينه وبصورته لدى المجتمع ، ولدى باقي الفرقاء.

وليس صدفة أن ترتبط السياسة ( بمعناها التطبيقي) بالديمقراطية بكل أبعادها. ومن ضمنها الديمقراطية التنظيمية داخل الحزب، كقواعد، واختيارات، وقوانين، وكممارسة داخل الأجهزة التقريرية والتنفيذية. وهو ما يعني بأن المشروعية السياسية لا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن تتحقق بدون مشروعية ديمقراطية. وأي انحراف في قواعد ممارسة الديمقراطية معناه انحراف السياسة عن مقاصدها وغاياتها. وكل نزوع نحو  البيروقراطية والتحكم  معناه الابتعاد عن أسس الديمقراطية.هذه قواعد عامة تؤطر كل ممارسة سياسية حزبية سليمة.

وعليه، وجب التنبيه بأن المؤتمر في حياة الحزب-أي حزب كان- ليس محطة لتغيير قيادة بقيادة جديدة، ولا جهازا بحهاز جديد، بل ينبغي أن يشكل تتويجا طبيعيا لتطبيقات الديمقراطية، وإحدى مظاهرها وتعبيراتها السياسية والقانونية والمؤسساتية، بما تعنيه من  ترسيخ منطق المؤسسات، وقواعد الاقتراع الحر والنزيه، والقيم المرتبطة بحق التعبير، والتنافس، وإبداء الرأي، والتمثيل في المؤسسات، وصيانة الحق في الاختلاف، والتربية على احترام الآخر، باعتبار أن الحزب الذي لا يصون ويرعى ويطور ديمقراطيته  الداخلية لا يمكنه أن  يكون شريكا في رعاية وتحصين الاختيار الديمقراطي داخل الأجهزة التمثيلية للدولة ومؤسساتها، وبالأحرى أن يرفع شعار ” الحزب الحداثي الديمقراطي”.

ولعل إرتباط مفهوم المشروعية الديمقراطية بمفهوم الشرعية القانونية يشكل معياراً حاسما للحكم  على سلامة ونزاهة المؤسسات بكل ما تعنيه من قواعد تحتكم لشروط الانتخاب الحر، والشفاف والنزيه. وإذا كنا قد تناولنا في الجزء الثاني من هذه السلسلة بعضا من مظاهر التحريفية التي طبعت المؤتمر الوطني الرابع لحزب  الأصالة والمعاصرة مما جعله مؤتمرا بدون بوصلة سياسية تحدد خطه السياسي بشكل واضح وفق توجهات المؤتمر ومقرراته، فإننا نتناول في هذا المقام بعضا من عناصر الاختلالات التي شابت المؤتمر مما أفقده شرط المشروعية الديمقراطية التي تشكل عنصرا حاسما لتأسيس أي مشروعية سياسية وشرعية قانونية.

لقد أقرت الوثيقة السياسية المصادق عليها خلال المؤتمر الوطني الرابع لحزب الأصالة والمعاصرة في ” مهام المرحلة” ضرورة ( الانتصار للخيار الديمقراطي، ثقافة وممارسة،  باحترام القوانين التنظيمية للحزب واختيارات عموم المناضلات والمناضلين. وهي الاختيارات التي ينبغي أن تقوم على مبدأ المسؤولية والمحاسبة وفق الضوابط التنظيمية…مع ضرورة توطيد الشرعية التنظيمية والسياسية والانتخابية للحزب بالاعتماد على قواعد الديمقراطية الداخلية وأسس الاستحقاق السياسي…)

يبدو اليوم أن هذا الرهان، في ضوء ما جرى خلال المؤتمر، رهان خاسر بالنظر للخروقات التي تم تسجيلها في كل محطات المؤتمر(قبل وخلال وبعد) المؤتمر. وهي الخروقات التي  شابت مجمل أشغال اللجنة التحضيرية، و عمليات انتداب المؤتمرات والمؤتمرين، وما عرفه المؤتمر من أساليب مفضوحة من انزالات ،وتجييش، وإغراق مكشوف للمجلس الوطني خارج العدد والكوطات المخصصة للأقاليم والجهات. ناهيك عن كون المؤتمر تم تجييشه و اختزاله في ما دتين من النظام الأساسي تتعلقان بنمط الاقتراع (السري أم العلني)، وبطريقة انتخاب الأمين العام، هل من المؤتمر مباشرة، أم من المجلس الوطني.

وهما المادتان اللتان تفسران العقلية التي تحكمت في المؤتمر بخلفية لا ديمقراطية استهدفت أساسا الضرب المكشوف لسرية الاقتراع، وللإرادة الحرة للمؤتمر في انتخاب الأمين العام مباشرة من المؤتمر. 

أعميار يكتب لجريدة « le12 » . هل مازالت الحاجة إلى حزب الأصالة والمعاصرة؟ (الحلقة1)

ولأن المؤتمر لم يكن محكوما بالأسئلة السياسية التي سبق أن تناولناها في الجزئين الأول والثاني من هذه السلسلة، ولا برهانات المشروعية الديمقراطية للحزب، فقد أفضى المؤتمر  عمليا- إلى توقيع شهادة التحكم فيما سيقره المؤتمرون بأنفسهم. 

وفي هذا الصدد، تستوجب الإشارة  بأنه إلى حدود الساعة لم تنشر لائحة عضوات وأعضاء المجلس الوطني المنبثقة عن المؤتمر نفسه. وهو ما يشكل سابقة في الحياة السياسية الوطنية. فكيف يمكن التأسيس للمشروعية الديمقراطية للمؤتمر ولا ئحةعضوات وأعضاء ” برلمان” الحزب الذين ( يفترض) أنهم يشكلون القاعدة الانتخابية لفرز مختلف المؤسسات الحزبية غير معروفة، ويتم التكتم عليها بشكل مقصود.

ولأن هذا السلوك يتنافى مع مبدأ الشفافية الذي يشكل عنصرا من العناصر الضرورية لتحقق الشرعية القانونية،  فإنه كاف ( لوحده)  للتدليل على  أن المؤتمر، بمجرياته ونتائجه، يفتقد لعناصر ومقومات المشروعية الديمقراطية.

واعتبارا  لكون المادة 23 من النظام الأساسي المصادق عليه خلال المؤتمر تنص وجوبا على  “نشر لوائح عضوات وأعضاء هياكل الحزب التقريرية والتنفيذية بالبوابة الرسمية للحزب بمجرد انتخابهم وفور المصادقة عليها من اللجنة الجهوية للتحكيم والأخلاقيات أو اللجنة الوطنية للقوانين والتحكيم حسب الاختصاص الترابي لكل منها” .

واعتبارا كذلك لكون المادة 89 من النظام الأساسي نفسه تنص بشكل صريح على ما يلي” تختص اللجنة الوطنية للقوانين والتحكيم بالتصديق على لائحة أعضاء المجلس الوطني، وتنشر لا ئحة أعضاء المجلس الوطني على البوابة الالكترونية للحزب طيلة مدة ولايته”.

وحيث إن المادة 22 من النظام الأساسي للحزب الذي صادق عليه المؤتمر تنص  على أن الحزب ” يسر وفق قواعد الحكامة الجيدة، والشفافية، والمسؤولية والمحاسبة “.

وعليه، فإن عدم نشر لوائح عضوات وأعضاء المجلس الوطني، يعتبر خرقا واضحا لمقتضيات النظام الأساسي الذي صادق عليه المؤتمر، ناهيك عن كون هذا السلوك يعتبر ضربا لمبدأ الشفافية وقواعد الديمقراطية المؤسساتية المنصوص عليها في النظام الأساسي، وكذا في القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية والذي يؤكد على أنه ” يتعين مراعاة مبادىء الحكامة الجيدة في تدبير شؤونه، ولا سيما مبادىء الشفافية والمسؤولية والمحاسبة”.

عاجل. بنشماش يكتب وثيقة:”طريق الانبعاث”.. و “Le 12” تنشرها بالكامل

ولأن الحزب السياسي هيئة خاضعة للمقتضيات الدستورية ذات الصلة بمهامه ووظائفه، وليس ملكية خاصة خاضعة لنزوات الأشخاص، كما أنه خاضع بالضرورة للقانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية، فإنها مناسبة للتأكيد على المادة 15 من هذا القانون التي تنص على أن ” كل تغيير يطرأ على رمز الحزب أو أجهزته المسيرة أو نظامه يتعين التصريح به لدى السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية من قبل المسؤولالوطني للحزب أو من ينتدبه لهذا الغرض داخل أجل ثلاثين يوما يبتدىء  من تاريخ المصادقة على هذا التغيير من قبل أجهزة الحزب المختصة”.

وإذا كان هذا الإجراء لم يتم فمعناه أن الحزب يشتغل خارج قانون الأحزاب. واذا تم ذلك بالفعل، فلماذا يتم حجب لائحة عضوات وأعضاء المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة لحدود الساعة ولم تنشر في الموقع الرسمي للحزب كما هو منصوص عليه وجوبا في المادتين 23 و 89 من النظام الأساسي للحزب؟؟؟..

وفي ذات السياق، وجب التذكير أيضا بأن وضعية الشلل التي لحقت المجلس الوطني( وهو أعلى هيىة تقريرية خلال الفترة الفاصلة بين مؤتمرين)  ساهمت عمليا في تعطيل العديد من الاختصاصات. ومن ضمنها المصادقة على برنامج عمل المكتب السياسي، والمصادقة على ميزانية الحزب، وتحديد توجهات الحزب ما بين مؤتمرين، وتتبع وتقييم عمل المكتب السياسي، وتتبع ومناقشة الأداء الحكومي والتشريعي، ووضع الاستراتيحية الانتخابية والاعلامية للحزب..الخ. كل هذه الاختصاصات( وأخرى) مجمدة بشكل مقصود  منذ المؤتمر الأخير. ولا يمكن بتاتا التحجج بوضعية الوباء لتبرير السلوك التحكمي في  الأجهزة الحزبية.

إن عدم الكشف عن لائحة المجلس الوطني، وتجميد كل اختصاصاته يشكل ملمحا من ملامح  السلوك اللاديمقراطي الذي  تنهجه ” القيادة” الجديدة. وهو الإفراز العملي للعقلية التي تحكمت في  إعلان  نتائج المؤتمر بما يساءل التحلي بقواعد النزاهة، والشفافية، والمصداقية.

واليوم، حيث إن حزب الأصالة والمعاصرة، أضحى حزباً بدون مؤسسات وبدون أجهزة حزبية تكون كل القرارات والمواقف المعلنة فاقدة لكل مشروعية ديمقراطية وشرعية قانونية. ناهيك عن كونها تفتقد للموجهات السياسية المؤطرة للعمل الحزبي، ليس فقط على مستوى الخيارات السياسية و الاقتصادية والاجتماعية والثقافية…، بل أيضا على مستوى تموقعاته في الحق السياسي الوطني. وهو ما سنحاول مقاربته في الحلقة القادمة  في موضوع: “ديمقراطية اجتماعية بدون رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية”.

*قيادي في حزب الأصالة والمعاصرة 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *