*الدكتور أحمد الناوي

الاستقرار اليهودي بالمغرب قديم جدا، يذكر المؤرخون أنه بدأ مع الفنيقيين، وخلال الفترة الرومانية إستقروا في المدن الرومانية كوليلي وغيرها ، فقد اندمجوا ضمن السكان المحليين والرومان .

 عمل اليهود في الفلاحة والحرف، ضمن سكان القبائل المختلفة ،حتى أنه يقال بأن بعض القبائل  تهودت، وهذا أعطى  معنى لحياة اجتماعية مشتركة، فقد تكلموا اللغة المحلية الامازيغية ومارسوا نفس عادات وتقاليد هذه القبائل، حتى انه لم يكن سهلا تمييز اليهود عن غيرهم من المغاربة، بفعل الإمداد الثقافي الواحد في المناطق الامازيغية بالخصوص.

 وقد ساهمت الأعمال الحرفية وتحويل المعادن، وأعمال الخشب والجلد التي مهر فيها اليهود في تسهيل اندماجم في الاقتصاد التقليدي السائد آنذاك (1).

بعد دخول الإسلام،  لم يتم الاستغناء عن الخدمات الأساسية للأقلية الدينية اليهودية، بل أصبح اليهود مهمين في العملية الاقتصادية، من إنتاج وتحويل وإصلاح والخدمة بعد البيع التي صارت حرفتهم الأساسية لمهارتهم وثمنها المناسب.

في التجارة كان “العطار” اليهودي المتجول بين القبائل وقت السلم والحرب بين العرب و الامازيغ، في السهول والجبال والصحراء، يوزع السلع والخيرات الفلاحية والأدوات، وكان يضبط اللغات العربية والامازيغية والحسانية، مما ساهم في دمج اليهود في النسيج الاقتصادي المغربي آنذاك.

تقوت الجماعة اليهودية عددا واقتصادية، بوصول كبات من المهاجرين اليهود المطرودين من إسبانيا نهاية القرن  15، وطيلة النصف الأول من القرن16 بعضهم استقر في المدن المغربية الكبرى ، وكونوا نخبة داخل المجتمع المغربي، حيث نقلوا معهم خبرتهم المهنية والفنية في الحرف اللباس والعمران.(2).

 

تعايش اليهود والمسلمين بأرزان سنة 1950هي جماعة قروية في إقليم تارودانت
تعايش اليهود والمسلمين بأرزان سنة 1950هي جماعة قروية في إقليم تارودانت

 خضعت الأقلية الدينية اليهودية في المغرب لضرورة (الدهيمة dhimma ) ، وهي ممارسات دينية وثقافية واقتصادية لأفراد، وهي حركة نشأت في أوروبا  بين المسلمين والمسيحيين أساسها  التسامح(3). كنظام قيم لغير المسلمين في بلاد الإسلام، كان يلزمهم بضريبة عبارة عن نقد أو معادن مختلفة في مقابل الحماية والممارسة الدينية و الثقافية، وتحتسب فيها درجة الاندماج ومدى مساهمة اليهودي في تدبير الشأن  و الإقتصاد المحلي.

لق كان يتم إعفاءهم أحيانا مقابل خدمات معينة أو عطفا عليهم.(4) لم يتم حذف اليهود أبدا من الواقع اليومي المعاش في مدن المغرب، بل كانت تمنحهم استقلالية أكبر وشخصية متعاونة لها نظمها القانونية و الإجتماعية، عكس ما كان يقول به البعض من حقارة ودونية دينية واجتماعية وتشريد…(5).

قبل الحماية كان الحاخام (rabbin) يقرر في شؤون كل جماعة يهودية، من تدبير شؤون الدين وحماية الملاح والمقابر، ومساعدة الفقراء والاحتفالات الدينية وجمع المساهمات والتبرع والصدقة ليهود فلسطين كواجب ديني، ونقل الموتى لدفنهم هناك، وذلك عبر ” سعاة الشليحيم ” المكلفين بذلك و تحت رعاية السلطة المحلية. (6) استقر اليهود في الملاح الذي ظهر منذ عام 1438م بفاس .

وكلمة الملاح تعني الأرض الكثيرة الملح، وكانت من قبل مروج مخصصة لخيول السلطان، تحولت فيما بعد إلى حي لليهود في المدن والقرى والقصور، وهو حي محاط بأسوار وله باب محروس.

 حتى بداية القرن 18م كان الملاح موجودا في مدن فاس ومكناس ومراكشّ. على عهد المولى سليمان أصبح الملاح بمدن الرباط سلا تطاون،  بينما مدن طنجة الدار البيضاء أسفي والجديدة لم يكن بها ملاح حقيقي رغم الأغلبية اليهودية بها.

اهتمت الدول الأوروبية منذ القرن 16 م بالأقلية اليهودية بالمغرب، أثناء ضغطها الامبريالي على المغرب، واستغلت وضع اليهود المغاربة لأسباب تجارية واستعمارية فيما بعد.(7).

 هكذا أصبح اليهود المغاربة في خضم أطماع القوى الأجنبية وسطاء تجاريين بين المخزن والأجانب،  وزاد من قوتهم “نظام المحميين”.

 اشتغل اليهود المغاربة أيضا في نقل المواد الخام إلى الموانئ ، وتحويل السلع الأوروبية كما سيروا القوافل ونقل الأموال وإعطاء القروض، والتجارة فاكتسبوا عطف ورعاية المخزن ، حيث أعفوا أحيانا من أداء الضرائب عبر تدخل الدول الأجنبية ، نتج عنه أحيانا صراعات بين المسلمين واليهود، مما حد من التعايش السائد بين كل المغاربة.(8(.

مع بداية الحماية، اهتمت السلطات الفرنسية بنشر الأمن وضبط الفوارق والتوازنات الإجتماعية وعدم المس بها حفاظا على التعايش السائد بين المسلمين واليهود، خاصة وأن المغاربة المسلمين لم يروا في اليهود أي خطر عليهم ولا مصدر أدى رغم الأزمات الاقتصادية التي عانوا منها، كما أن الثقافة المناهضة للسامية كانوا يجهلونها، على عكس حقدهم على المستعمر والمعمرين المسيحيين. كما أن الموقف الصارم للسلطان محمد بن يوسف المتضامن مع الرعايا اليهود أمام النازية، أضف ألى ذلك، أن  “قانون فيشي( vichy) “، إتسم بصعوبة، التطبيق في المغرب بفعل التعايش السائد  في المدن والقرى (9)،.

 حتى أن الوطنيين المغاربة لم يتفاعلون مع الدعاية الفاشية والنازية قبل وأثناء  الحرب الكونية الثانية لاقتناعهم ان اليهود المغاربة جزء من الشعب المغربي، وـن المغرب المستقل يجب أن يضمن الحقوق والمواطنة لكل أبناءه  مسلمين ويهود .(10).

*أستاذ باحث-جيو أنتوبولوجي

( يتبع الحلقة : 2) ” هجرة اليهود المغاربة:دعاية المنظمات الصهيونية وأهداف اقتصادية أكثر منها دينية “

المراجع :

 _ SEKKAT h.2016″ l’emigration collective des juifs marocains vers Israël :l’histoire  d’une émigration clandestine” mima _merme.

_ KENBIB m. 1994″ juifs et musulmans  au Maroc 1859_ 1948″FLSH , RABAT.

_ ASSARAF R 2008 “juifs du Maroc a travers le monde” super press Paris.

_LAROUI A.1993 ” les origines sociales et culturelles et nationalisme marocain 1830 _ 1912 ,CCA Casablanca.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *