طلحة جبريل 

 

في زمن مضى كان تطور أي بلد يقاس بمستوى “خدمات البريد”، إذا كانت هذه الخدمات تتسم بالدقة والسرعة، هذا يعني أنه بلد متطور. الآن أصبح المقياس هي خدمات الإنترنت.

نحن نعرف أن أكبر قضية أثارت جدلاً في الانتخابات الأميركية ، تلك المتعلقة بالتصويت عبر البريد ، إذ خاض الرئيس الأميركي دونالد ترامب معركة شرسة ضد هذا الأسلوب من التصويت ، لكنه خسر تلك المعركة ، وخسر الرئاسة نفسها.

كنت أبحث في الأرشيف الورقي لصحيفة “واشنطن بوست” ، وهي صحيفة كانت وتظل صحيفتي المفضلة ، نظراً لمهنيتها العالية ، أثناء البحث وجدت تقريراً لافت للانتباه، سبق أن قرأته ، لكن في بعض الأحيان نجد متعة في القديم أكثر من جديد الأخبار، خاصة عندما تكون أخباراً كلها كآبة،مثل أخبار من غيبهم الفيروس اللعين عن دنيا الناس هذه.

يقول تقرير “واشنطن بوست” إن إدارة البريد في الولايات المتحدة قررت التوقف عن توزيع الرسائل يوم السبت ، لكن مكاتب البريد ستظل مفتوحة في ذلك اليوم، حتى يستطيع الزبناء سحب وإيداع الرسائل والطرود.

لم تقرر إدارة البريد ذلك فجأة، لكنها منحت لزبنائها مهلة أسابيع، مشيرة إلى أن مبرر القرار، توفير مبلغ ملياري دولار سنوياً، تخسرها بسبب توزيع رسائل البريد كل سبت.

وعلى الرغم من أن إدارة البريد قالت إنها ستواصل توزيع الطرود البريدية، فإن القرار أثار ضجة سياسية آنذاك.ليس ذلك فحسب، لكن إدارة البريد عبرت عن مخاوفها من أن يتدخل الكونغرس ويلزمها بالعمل ستة أيام كما حدث من قبل.وقالت إن استعمال شبكة الإنترنيت كلفها خسارة ملايير الدولارات، لذلك “توسلت” إلى الكونغرس من أجل تفادي خسارة تتراكم.

وفي لقاء صحافي قال المدير العام لإدارة البريد “أعتقد أن الأميركيين، سيتفهمون التحديات المالية التي نواجهها، ونعتقد بأنهم سيدعمون هذه الخطوة (العمل خمسة أيام في الأسبوع) باعتبارها خطوة معقولة، من أجل تحسين وضعنا المالي”.

الأمر لم يقف عند هذا الحد. بل سارعت بعض المعاهد المتخصصة لإجراء استطلاع وسط الأميركيين حول القرار، وتبين أن معظمهم يفضلون أن يصبح يوم السبت عطلة للبريد. ولعل من الطرائف أن الذين عبروا عن مساندتهم للقرار، معظمهم يحمل إليهم البريد فواتير تعكر مزاجهم في عطلة نهاية الأسبوع.

أختم وأقول إن كثيرين طرحوا علي سؤالاً عن الأسباب التي جعلتني أضع صورة مبنى البريد على غلاف كتاب “أيام الرباط الأولى” في طبعته الثانية .

تلك حكاية طويلة حتما سأرويها في يوم ما.

*كاتب/صحفي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *