رشيد نيني

 

أن يغتني سياسي فلسطيني على ظهر القضية الفلسطينية فهذا ليس ذنب فلسطين ولا يجب أن نحاسب فلسطين على ما ارتكبه سياسي فلسطيني مرتشي باسمها. 

أن يهاجم سياسي فلسطيني ظل يعترف بسلطة الاحتلال ويتقاضى راتبه من ميزانيتها وحدة بلدنا الترابية ويسمينا بالمحتلين الذين يستوطنون أرضًا ليست لهم ويشبهنا بجيش الاحتلال الإسرائيلي فهذا لا يجب أن يجعلنا نغضب من فلسطين ونأخذها بجريرة هؤلاء المنافقين. 

أن يقضي سياسي فلسطيني حياته متاجرا بالقضية الفلسطينية في مؤتمرات وقمم العالم ويقبض ثمنها ويودعه في حساباته السرية بالبنوك السويسرية ثم يأتي لكي يعطينا الدروس حول الوطنية والكفاح ويهاجم المغرب لأن أمريكا قررت الاعتراف له بالسيادة على صحرائه، فهذا لا يجب أن يجعلنا نخلط بين قضية فلسطين وتجار قضية فلسطين. 

فلسطين ليست ملكًا لا لحماس ولا للجهاد الإسلامي ولا للسلطة الفلسطينية ولا لرموزها ومومياءاتها ولا للفصائل المتناحرة فيما بينها. فلسطين ليست أصلا تجاريا يباع ويشترى أو يتم رهنه. فلسطين ليست ضحية الاحتلال وحده، أو التواطؤ العربي وحده، بل أيضا ضحية من ظلوا يتاجرون بها في بورصات العواصم العالمية من مدريد إلى أوسلو تحت راية المحتل، واليوم عندما اعترفت أمريكا للمغرب بسلطته على صحرائه تذكروا فجأة معجم الاحتلال والشعب المحتل وتقرير المصير وبقية “أدوات النصب” التي تعودوا على استعمالها طوال حياتهم السابقة . 

لهؤلاء نقول فلسطين أكبر منكم وأطهر منكم. فلسطين بريئة منكم ومن أكاذيبكم ومن دموع التماسيح التي تذرفونها فوق دفتر عزاء الشهداء. 

فلسطين ليست أنتم وأنتم لستم فلسطين، فلا تحاولوا النصب باسمها على المستقبل مثلما نصبتم باسمها طوال خمسين عاما على الماضي. 

هذا بالنسبة لبعض الفلسطينيين الذين ساءهم الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه. 

وفي الجانب الآخر هناك نوع من المغاربة يشعرون بالحزن والغيظ عندما يحرز المغرب على نصر أو عندما يطلق مشروعا كبيرا أو ينجح في تحقيق سبق.

ومثلما هم حانقون على بلدهم وحاقدون عليه مثلما هم يشعرون بالفخر لما تحققه بلدان بعيدة عنهم لا ينتمون إليها ولا يتنفسون هواءها ولا يسيرون فوق ترابها ولا يأكلون خبزها أو يشربون ماءها.

نجدهم يستحضرون بفخر مواقف تركيا ورئيسها وهم يتحدثون عن الموقف من القضية الفلسطينية، يهاجمون بلدهم لأنه قرر افتتاح علاقات علنية مع إسرائيل فيما يهللون لحكام أنقرة الذين أعلنوا عن موقف دبلوماسي نصف محايد تجاه هذا القرار، ويجهلون أن الرئيس التركي سبق له أن زار إسرائيل عام 2005 والتقى رئيس الوزراء أرييل شارون ونائبه شيمون بيريس ووزير الخارجية سيلفان شالوم ووزراء آخرين، وأثناء زيارته قام رجب طيب أردوغان بوضع إكليل زهور على قبر ثيودور هيرتزل مؤسس الحركة الصهيونية.

وبعد شهر عسل طويل بين أنقرة وتل أبيب انطلق منذ 1949 عندما كانت جمهورية تركيا أول دولة تعترف بوجود إسرائيل احتفظت تل أبيب ببعثتين دبلوماسيتين في تركيا، إذ تقع سفارتها في العاصمة أنقرة، وتقع قنصليتها العامة في إسطنبول، أكبر مدن تركيا.

فلماذا لا يؤاخذ هؤلاء المغاربة الذين يعيشون بيننا جسديًا فيما عقولهم وقلوبهم في إسطنبول الرئيس التركي على تعامله المكشوف تجاريًا وعسكريًا وأمنيًا مع إسرائيل؟ كيف يقبلون أن تحط طائرات العال بمطار إسطنبول علما أن تركيا ليست لديها جالية تركية يهودية بإسرائيل ويرفضون أن تحط هذه الطائرات في مطار الدار البيضاء علما أن الجالية المغربية اليهودية بإسرائيل تقدر بحوالي مليون ؟

الجواب بسيط جدا، فالأتراك يعرفون أين تكمن مصالحهم، وهم يدافعون عن مصالح بلدهم الأم ولا تهمهم مصالح من يدعون أنهم حلفاؤهم أو شركاؤهم أو إخوانهم في الدين.

وشخصيا أحيي تركيا وقيادتها على هذه السياسة التي تنهجها والتي تأخذ في حسابها مصلحة المواطن التركي التي تضعها فوق كل اعتبار، فهكذا يجب أن يكون كل القادة.

ولعل المثال الأبرز على هذا الانفصام في المواقف هو هجوم معتز مطر من قناته بإسطنبول على المغرب لأنه قرر ترسيم علاقاته مع إسرائيل في الوقت الذي يصمت عن وجود قنصلية وسفارة لإسرائيل بإسطنبول التي تبث منها قناته. وطبعا فمعتز مطر لا يستطيع أن يفتح فمه بانتقاد تركيا وإلا سيجد نفسه مسلما للسيسي في أول طائرة لكي يفعل به ما فعل بأشباهه من طويلي اللسان قصيري الذراع.

وعموما في مجال التعامل مع القضية الفلسطينية نلاحظ أن الأتراك العثمانيين والفرس الإيرانيين والغرب المسيحي يستعملون السياسة، فيما العرب يستعملون العاطفة، وهذه نقطة ضعف العرب التي حولتهم إلى شعوب تابعة إما لإيران أو تركيا أو الغرب.

وطبعا فحركتا حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتان اللتان اعتبرتا موقف المغرب من إسرائيل خطيئة وخيانة لا تستطيعان فتح فمهما بكلمة سوء واحدة ضد تركيا التي لديها علاقات علنية مع إسرائيل، أو ضد قطر التي لديها مكتب تجاري رسمي مع تل أبيب، أو ضد إيران التي رغم تهديداتها اليومية بتدمير إسرائيل منذ نصف قرن فهي تقيم معها علاقات استخباراتية وعسكرية وثيقة.

لذلك فهاتان الحركتان اللتان تأكلان من أيدي تركيا وقطر وإيران لن تذكرا هاته الدول بسوء بسبب تعاملها مع إسرائيل ببساطة لأن رواتب قادتها ورواتب ميليشياتها وسلاحها تأتي كلها من حكومات هاته الدول.

هناك قوم يعيشون بيننا لا يفرقون بين موقفهم من الحكومات والنظام وبين موقفهم من الوطن. يمكن أن تكون حاقدًا على الحكومة غاضبا من النظام منتقدا له، لكن الوطن فوق الجميع، ومحبته والدفاع عنه ليست مشروطة ولا يمكن التفاوض حولها أو التنازل عنها.

وما يجب أن يتعلمه هؤلاء المنبهرون بمسلسلات تركيا التي لا علاقة لها بالواقع هو كيف يضعون غضبهم وحنقهم حيث يجب، والأهم هو أن يتعلموا كيف يميزون بين الأشياء حتى لا يجدوا أنفسهم عالقين في خنادق أعداء وطنهم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *