رشيد نبني 

 

عندما نراجع مواقف العواصم الدولية من الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه نجد موقف باريس الذي يدعم مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب، وموقف مدريد التي أعربت عن تشبثها بقرارات مجلس الأمن في ما يخص ملف الصحراء، ثم موقف موسكو الذي نددت فيه بالاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء واعتبرته “انتهاكا للقانون الدولي”. لماذا يا ترى هذه الغضبة غير الدبلوماسية من طرف الدب الروسي؟  

للذين يحبون قراءة ما وراء السطور وعدم الاكتفاء بالروايات المبتسرة والسطحية للأحداث أن يبحثوا في الأسباب الحقيقية التي كانت وراء اندلاع الحرب في سوريا، فبقليل من البحث سوف يكتشفون أن أطراف الحرب السورية تتمثل في جبهة واشنطن وجبهة روسيا. ولمعرفة خلفيات كل طرف ومصالح كل واحد منهما في هذه الحرب تجب قراءة ما قاله الخبير الأمريكي ميتشل أورنشتاين الذي كتب أن «معظم الأطراف المتحاربة في الحرب السورية هي دول مصدرة للغاز، وبطريقة أو بأخرى تملك مصالح من أجل تمرير الغاز، إما القطري أو الإيراني، نحو أوروبا عبر سوريا».

فإذا كان بوتين قد اقتلع «القرم» من الاتحاد الأوروبي وأبعده عن قواعد حلف الناتو الذي يحلم بوضع صواريخه تحت أنف القيصر بوتين، فإن أمريكا تحلم بانتزاع ميناء طرطوس السوري الذي يشكل الحدود الحقيقية لروسيا في الشرق الأوسط.

فهذا الميناء الضخم والاستراتيجي الذي يقع على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، يمنح روسيا وجودا دائما في المتوسط، ويمكنها بالتالي من القيام بعمليات في المحيط الأطلنطي وإرسال غواصاتها النووية، وهو الأمر الذي سيصبح مستحيلا لو قررت تركيا إغلاق معبر البوسفور في وجه غواصات روسيا القادمة من قاعدتها بأوكرانيا بالبحر الأسود والذاهبة نحو البحر الأبيض المتوسط.

ولذلك فروسيا عندما استماتت في الدفاع عن بشار الأسد سياسيا في مجلس الأمن وعسكريا عبر دعمه بالسلاح وقصف مواقع «داعش» بالطائرات وعبر السفن الحربية، فإنها كانت تستميت في الحقيقة دفاعا عن امتدادها وعمقها الاستراتيجي في قلب الشام، الملعب الذي تدور فوق أرضه «لعبة الأمم» منذ نزلت بها أول ديانة سماوية وإلى اليوم.

مما يعني أن الحرب التي اندلعت بسوريا هي حرب حول الأنابيب البترولية والغازية العابرة نحو أوروبا نظرا لموقع سوريا المطل على البحر الأبيض المتوسط الذي يمكنها من أن تكون جسرا مع أوروبا.

ولعلكم تذكرون عندما أعلن الملك عن مشروع أنبوب الغاز المغربي النيجيري الذي سيمكن من تصدير الغاز الإفريقي نحو أوروبا كيف كشر الدب الروسي عن أنيابه، وهذا طبيعي، فروسيا تمسك بخناق أوروبا بكاملها بفضل أنبوبها الغازي الذي يزود دول غرب أوروبا بالغاز الضروري لبقاء سكانها على قيد الحياة في زمهرير الشتاء.

وبوتين يرى في الأنبوب المغربي النيجيري طوق الخلاص الذي سوف تتسابق نحوه دول أوروبا وبالتالي لن يكون لبوتين ما يبتز به هذه الدول.

أما الجزائر، جارتنا الحسودة، التي سبق لها أن أعلنت قبل سنوات عن مشروع أنبوبها الغازي مع أبوجا منذ 2002 دون أن يرى المشروع النور، فهي ليست سوى أداة في يد الدب الروسي ولذلك فإنها لم تتردد في شن حملة شعواء ضد المغرب في صحافة العسكر بمجرد ما ترأس الملك جلسة عمل خصصت لمشروع خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب.

غير أن المغرب ليس هو سوريا أو ليبيا، فقد حاولوا زعزعة استقراره انطلاقًا من اكديم إيزيك، ثم الريف، وأخيرا الكركرات، وفي كل مرة يوقدون نارًا للفتنة يخمدها الله.

ولذلك نؤكد دائما على ضرورة رص الصف الداخلي والانتباه للخونة من الطابور الخامس الذين يتماهون في مواقفهم مع مواقف خصوم المغرب. فهؤلاء أخطر من الأعداء أنفسهم.

هذا الانزعاج الروسي الجزائري ستظهر آثاره على رمال الصحراء، وبالضبط بمنطقة الكركرات في الحدود بين المغرب وموريتانيا، عندما احتلت قوات البوليساريو المنطقة العازلة وبدأت تعترض طريق الشاحنات التجارية المغربية القادمة من دول إفريقيا، قبل أن يحسم الجيش المغربي المعركة في أقل من ساعة ويعيد حركة المرور التجارية للمعبر.

وكان الهدف طبعا من التحرش بالمغرب في منطقة الكركرات هو جر المغرب للرد عسكريا على استفزازات البوليساريو والجزائر، غير أن المغرب لعبها بذكاء ولجأ إلى تحكيم القوة المشروعة التي أجبرت البوليساريو على الانسحاب.

وفخ الكركرات كان رسالة روسية جزائرية نحو المغرب مفادها أن الأنبوب الغازي إذا كان سيمر عبر بنين وطوغو وغانا وساحل العاج وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسينغال بدون مشاكل، فإن مروره بموريتانيا لن يكون نزهة بل سيكون محاطا بالألغام.

روسيا وتركيا استطاعتا أن تتحولا خلال السنوات الأخيرة بفضل تدخلهما في الملف الليبي إلى قوتين عسكريتين في حوض البحر الأبيض المتوسط، وهما تعرفان أن حصول المغرب على ترسانة حربية من أمريكا كالطائرات بدون طيار آخر طراز sea guardian ستجعل المغرب يدخل نادي القوى الإقليمية بحوض البحر المتوسط.

يعتقد البعض أن المغرب استثمر أزيد من 10 ملايير دولار خلال العشرين سنة الأخيرة في بلدان العمق الإفريقي عبثا، وأنه أسس منصات إنتاج للأسمدة تابعة للمكتب الشريف للفوسفاط، وحرص على أن تكون جميعها بالقرب من المنابع المائية المهمة في أفريقيا عبثا.

هل هي مصادفة أن المغرب ربط هذه الاستثمارات بنظام بنكي قوي حيث فتحت أغلب البنوك المغربية الكبرى فروعًا لها في العمق الأفريقي؟ هل عبثا راهن المغرب على الفلاحة والتكنولوجيا في أفريقيا؟

لا مكان للعبث والمصادفة في ما قام ويقوم به المغرب في أفريقيا. وها هي الوقائع تكشف أن المغرب كان يشتغل منذ أكثر من عشرين سنة لكي يكون قاطرة النمو والتحول نحو الاقتصاد الأخضر على المستوى الأفريقي والعالمي.

لذلك فليس صدفة أن المغرب سيصنع لقاحات الشعوب الأفريقية، فالمغرب وضع نفسه على طريق الحرير الصينية وأصبح لاعبا أساسيا في مشروع “مارشال القرن 21”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *