ذ. عبد الحمن بندحو

عملت قناة إلكترونية, على بث مجموعة من الحلقات للسيد الخراز الموظف المتقاعد بسلك الشرطة، هذه الحلقات و التي أصبحت يومية عرفت انتشارا واسعا و جماهيرية منقطعة النظير، انتشار له أسبابه و دواعيه ما سنحاول مناقشته اليوم في هذه المقاربة عبر الإجابة عن التساؤل العريض الآتي:

كيف استطاع “السيد الخراز” شد انتباه المغاربة؟ و ما هي الآليات و الوسائل التي يستعملها في ذلك؟

تعتبر ملفات السيد الخراز مادة حكائية سردية مشوقة استطاعت في وقت وجيز -بالمقارنة بنسب المشاهدة العالية- أن تشد عددا كبيرا من المتتبعين، بل استطاع أن يصبح صاحبها حديث الشارع المغربي و استطاع أيضا أن يغزو البيوت و جميع الشرائح العمرية و من الجنسين.

هذا التميز له أسباب و دواعي و آليات نناقشها بالتفصيل.

فأما الأسباب و الدواعي، فإننا نجد أن القناة استغلت الفراغ الذي تعرفه المواد المقدمة على اليوتوب على مستوى المضمون، و هذا شيء إيجابي، فإن دل على شيء فإنما يدل على القراءة الجيدة لقناة الخبر  لراهن مواقع التواصل الاجتماعي و عمق احتياجاتها، حلقات بسيطة و تعتمد الحكي و السرد عبر شخصية تجمع بين التلقائية و المرح و التسلىية و التعلم.

إذن على المستوى الاجتماعي فحلقات السيد الخراز هي وسيلة لتجمع أسري مغربي من نوع آخر، إنها غوص في نوستالجيا الزمن الجميل المتمثل في الحكي “عادة الجدات و الأجداد” ما يفسر الانتشار الواسع.

أما على المستوى الفني، فالسيد الخراز استطاع أن ينطلق من عفويته ليصل لقلوب الناس، هذه العفوية المبنية على خلفيات واقعية و ملفات حقيقية ما أعطى لحلقاته المصداقية المطلوبة لكل عمل فني، إضافة إلى عنصر أساسي في عملية السرد و الذي يضمن نجاحه في ( اجتداب الجمهور) إنه السرد التشخيصي، فنجد السيد الخراز كلما أراد أن يحكي على شخصية يعتمد في سرده على حوارية ممتعة شبه واقعية ما يجعله يشخص هذا الحوار و يتقمص شخصياته، ما يعطي نوعا من التماهي على مستوى التخيل عند المتلقي.

شيء آخر و هو اللغة المستعملة و القاموس المختار لسرد الأحداث، فالسيد الخراز يستعمل قاموسا قريبا من المشاهد ما يزيد من وقع التأثير و يزيد من وقع التماهي.

كما لا يفوتني التطرق لعنصر آخر مهم في مقاربتي الفنية هاته و المتعلق بتعدد العوالم، فالسيد الخراز أثناء حكيه لا يقتصر على مكان أو فضاء واحد أو حدث واحد، فالجريمة واحدة و لكن أحداثها قد تتفرع لأحداث جانبية تجر معها فضاءات جديدة و شخصيات جديدة و لكن دون إهمال الجريمة الأساسية، هذا العامل يعطي قدرة متميزة على التركيز لدا المتلقي، و يعطي قدرة على التتبع و المتابعة و عدم التخلي عن الحلقة في مرحلة من مراحلها رغم طولها الزمني النسبي.

إضافة الى التقليد الذي أخذه السيد الخراز في جميع حلقاته و المتمثل في الدرس أو الحكمة أو المغزى من جريمة اليوم، فربط الجريمة و أحداثها بمغزى جعل للحلقات بعدا أخلاقيا متميزا حول السيد الخراز من مجرد شرطي يحاول إحياء جرائم من خزينة إدارة الأمن إلى مربي و معلم يستنبط منها العبر و القيم ، فقد حاول السيد الخراز توظيف هذا الجانب الأخلاقي في نصائحه التي تتخلل حلقاته و مناشداته المتكررة لإبعاد الأطفال.

و أخيرا و ليس آخرا لا بد من الإشارة إلى وجود وسائل و تقنيات تعبيرية أخرى و متعددة لضمان استمرارية هذه الحلقات الشيقة و ضرورة التذكير بأن النجاح ليس بالمنجز و لكن باستمرارية المنجز و بنفس المستوى.

*أستاذ الفنون التعبيرية تخصص مسرح و مسرح علاجي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *