رئاسة تحرير موقع” le12″

 

من المضحكات المبكيات في زمننا هذا الكيلُ بمكيالين من قبَل إعلام ما يسمّى العالم “المتحضّر”، وإن كان التحضّر في الحقيقة قيمة يصعب على البعض أن يحظوا بها مهما حاولوا تلطيخ وجوههم بكل المساحيق وأدوات “التجميل” لمداراة القبح والمكر واللؤم التي هي من طبعهم، والطبعُ يغلب التطبّع، كما يقال.

في الوقت الذي يتابع العالم أجمع تواصُل احتجاجات أصحاب “السترات الصفراء” في فرنسا، الذين ينزلون إلى الشارع منذ أيام، مع ما يرافق ذلك من اعتداءات وانتهاكات “البوليس” الفرنسي في حق متظاهرين مسالمين، يواصل الإعلام الفرنسي (فرانس 24 “نموذجا”) دفن رأسه في التراب وغضّ الطرف عن كل الانتهاكات والاعتداءات التي تُسجَّل يوميا في مختلف المدن الفرنسية؛ وكأن كل ذلك لا يعنيها في شيء، وكأنه يحدُث في جزر الوقواق، وليس على بعد شبر من مكاتبه ومقرّاته..

والحقيقة أنّ المرء يحار وتصيبه دوخة شديدة وهو يعاين هذا التبدّل في المواقف للقائمين على شؤون تدبير هذه القناة التي ما إن تسمع عن شيء تحرّك بسيط في الشارع المغربي حتى تجنّد فرَقا كاملة من صحافييها ومراسليها ومحلّليها (الإستراتيجيين جدا) وخبراءها (الذين يصيرون، فجأة، عارفين بكل صغيرة وكبيرة عن المغرب) لإنجاز تغطيات “مباشرة”، مع ما يرافق ذلك من برامج “تحليلية” ومراسلات (خاصّة وعامة) و”تجييش” طاقم القناة كله للضّرب في المغرب والإساءة إلى تجربته، الفتية مقارنة بـ”عراقة” فرنسا في مجال حقوق الإنسان.. لكنْ، وهنا نطرح السؤال مع كثيرين مثلنا “حيّرتْهم” هذه الازدواجية في التعاطي مع الأحداث (الاحتجاجات هنا): أين هذه الـ”فرانس24″ من كلّ هذه الأهوال التي تشهدها فرنسا منذ أيام؟ أين صراخ وزعيق “المحللين” و”الخبراء” و”العارفين”، الذين لا يفوّتون أدنى “تجمّع” قد تشهده منطقة نائية في المغرب ليطلقوا العنان لترسانتهم المرَضية من الحقد والغل والبغض تجاه المغرب؟ أين أطقم “فرانس24″، التي تُجيّشها وتمكّنها من كل أدوات وتسهيلات التنقل إلى أقصى نقطة في المغرب لـ”تغطية” احتجاج قد لا يتجاوز أعداد المشاركين فيه بضعة عشرات أو مئات من كل ما يحدُث على بعد شبر من مكاتبها في عموم التواب الفرنسي، بل وعلى بعد أمتار من قصر الإليزي نفسه؟!

أين “المهنية” و”الاستقلالية” و”الخط التحريري” والاصطفاف إلى جانب الجماهير الشعبية في احتجاجاتها ومطالباتها بتحسين أوضاعها المعيشية؟ أين لالاّهم “فرانس24” من كلّ هذا “التشلاخْ” و”الگزيرْ” الممارَس، يوميا وعبّر مناطق مختلفة في كل تراب فرنسا، في حق محتجّين “مسالمين” ومحتجّات؟

أين مراسلو “فرانس24” ومحللوها (“الأشاوس” فقط حين يتعلق الأمر بحدث يخص المغرب) وأين خبراؤها (الإستراتيجيون جدا) من هذه الاعتداءات المشينة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، التي ما فتئت المسكينة “فرانس” تتشدّق بها 24 على 24؟!.. ها هو كلّ شيء ممّا تتعبين من أجله وتُخصّصين لـ”تغطيته” طواقم، بل “قوافلَ” من صحافييك ومراسليك وحتى “شهود العيان”؟!.. أين كلّ هؤلاء من حركة “السّترات الصفراء”، التي يتابع أخبارَ احتجاجاتها العارمة وما يتخللها من انتهاكات واعتداءات و”تعدّو” العالم كلّه إلا أنتِ يا “فرانس24″؟

ها هي “حقوق الإنسان”، الذي جعلتِ منه شعارا لا تملّين من ترديده كلما ارتبط ببلد اسمه المغرب، بل ها هي كل مكتسبات الشعب الفرنسي، عبر عقود وعقود، في مجال حقوق الإنسان تتعرّض لأبشع صور الانتهاك، وأين؟ فوق أرض الحريات وباريس الأنوار؟!..

-ألو فرانس 24؟.. هناك احتجاجات غاضبة وعارمة، تشهد يوميا انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وقُتل فيها أحد المحتجّين، وربما أكثر…

-أين يحدُث هذا، في أي منطقة من المغرب؟

-لا، هذا يحدُث في فرنسا، ومنذ أيام… ألو… ألوووو…

-طوط، طوط، طووووط…

انقطع الخط.

اين فرانس 24 من مثل هذه التغطية لاحداث باريس؟
اين فرانس 24 من مثل هذه التغطية لاحداث باريس؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *