جريدة le12:جواد مكرم

مات اليوم الأحد عبد الرزاق أفيلال، الزعيم النقابي البارز في تاريخ المغرب الحديث، عن عمر يناهز التسعون عاماً، كرس خلالها حياته في الدفاع عن مقدسات الوطن، وكرامة الشعب وحقوق الطبقة العاملة، حتى أتاه اليقين وهو على لايزال يملء قلوب النقابين والاستقلالين، لا الانتهازيين الفارين من عذاب الضمير.

عبد الرزاق أفيلال العلمي الإدريسي الملقب بالطنجاوي، الاسم الحركي لقب به في الرباط زمن الحماية، سيرى النور في فاتح يونيو 1929، قبل أن ترمي به الأحداث المتلاحقة التي عرفها المغرب أنذاك (الحماية -الاستعمار-الاستقلال)، في النضال في صفوف الحركة الوطنية وحزب الاستقلال والاتحاد العام للشغالين الذي كان أحد مؤسسيه. 

في  كتاب “عبد الرزاق أفيلال، كفاح نقابي في صفوف حزب الاستقلال” لمؤلفه رشيد أفيلال العلمي الإدريسي، يحكي نجله،  كيف كان والده “عبد الرزاق الطنجاوي”، مزعجا للاستعمار، وعانى من ويلاته بالنفي..بل يواصل الحكي حتى عن إزاعاج إسم أفيلال للانتهازيين  الذين ألفوا أكل اليد التي تساعدهم، وهو يساق إلى المحاكمة على كرسي متحرك ..

ولأن الرجل ظل لسنوات محط كتابات ضاعت في العديد منها الحقيقة، ستكون آخر فصول هذا الكتاب عبارة عن  “بيان للحقيقة والتاريخ”، حيث قدم الكاتب تصريحا بممتلكات  والده أفيلال وزوجته، البرلمانية السابقة، محجوبة الزوبيري، وأبنائه الستة الراشدين..

في هذا الكتاب/السيرة،  الموزع على 16 فصلا، سيقف الكاتب عند تواريخ واحداث وأمكنة وشخصيات طبعت مسار  الراحل، لعلى من أبرزها ، فصول: “29 يناير 1944″، و”أوراق من المنفى”، و”انتفاضة النقابيين الأحرار”، و”حالة الاستثناء”، و”عبد الكريم غلاب والكتلة الوطنية”، و”التقرير المذهبي”، و”الوحدة النقابية وملتمس الرقابة”، والإضراب العام 14 دجنبر 1990″، و”ما بعد الإضراب العام”، و”حلم نقابي”، و”نهاية وبداية”.

في شهادة منه حول الزعيم أفيلال سيكتب النقابي الإستقلالي محمد بكاري ذات يوم مقالة تنتصر للحقيقة وتزهق الباطل عنوانها:”اكتبوا عن عبد الرزاق افيلال بما يليق بقامته: كرجل سياسة وزعيم نقابي مؤمن بالطبقة العاملة إيمانه بذاته وهو الذي زاوج بين النقابي والسياسي”.

يقول بكاري في شهادته للتاريخ :”قلة هم رجال الفترات الصعبة ، تماما كما هو  الأمر في المجال السياسي، فليس كل سياسي من طينة الزعماء ، وعبد الرزاق افيلال  هو من الشخصيات التي قل نظيرها في زمن كان فيه المغرب أحوج فيه إلى الرجال الافذاذ، رجل خبر المواقف الصعبة والدقيقة من تاريخ المغرب،  زمن القمع والاضطهاد ، والتضييق والملاحقات على عهد إدريس البصري واكديرة ، زمن المسخ السياسي ، زمن تكميم الأفواه ومصادرة الحق في الكلام والانتظام في النقابات والأحزاب السياسية الوطنية”.

سيضيف بكاري:” في هذا الزمن  وجد عبد الرزاق كقامة تعلو على التركيع، وترفض بيع المواقف وتمثل البطولات الوهمية، أوالسطو على التاريخ ، ظل شامخا لا ينحني للعبة اقزام السياسة ، رافضا الخذلان او الخنوع تماما كرفضه الهرولة وراء الامتيازات التي كانت تعمل بها أدوات السلطة للدوس على كرامة المواطن المغربي “.

عن محطة بارزة في تاريخ أفيلال النضالي يحكي بكاري:”وحيث أن هذا المناضل كان قد ابتلي بخصلة الدفاع عن المحرومين من أبناء الطبقة العاملة خاصة والشعب عامة، وهي سمة ما كانت ترضي من كان يقامر بالحياة الكريمة للمواطنين فتصدى لاتفاقية التجارة الحرة التي فرضتها أمريكا على المغرب وأخذ على عاتقه ككاتب عام للاتحاد العام للشغالين خوض إضراب وطني لمناهضة عقد الاتفاقية  الأمر الذي تطلب من وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية” كولن باول” القيام بزيارته في المقر المركزي للاتحاد العام بالدار البيضاء  ( صادفت الزيارة تواجدنا قبلها صحبته بالنقابة)حيث عاش محيط مقر الاتحاد  حالة استنفار غير مسبوقة”.

بكاري سيواصل البوح قائلا :”وبرغم تلك الضغوط والتهديد الذي أخذ له  عدة صيغ : العلني والمبطن، لم يخنع ولم يستسلم، إن الرجل هو ضحية مواقفه البطولية  التي يسجلها له التاريخ”.

مات عبد الرزاق أفيلال، وفي قلبه غصة خذلان وجفاء عدد من رفاق نضال في نقابة الاستقلال..مما ينبطحون لمن “صبح”، ويحسنون نصب المكائد من أجل إمتياز زائل.. فهل ينصف حكماء الوطن هذا الهرم وهو الآن قد لقي ربه؟ هذا سؤال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *