قلم: سعيد جعفر

تقف الأجهزة والسلطات والمراكز البحثية والمهتمون منذ مطلع القرن الواحد والعشرون على تصاعد وتيرة وتنوع أشكال وصور العنف بالمغرب. بل إن العنف في 20 سنة الأخيرة تحول إلى قاعدة.

يمثل العنف لأسباب إجتماعية ودينية واقتصادية الشكل الأبرز لهذا التطور وبدون شك فهو يستنزف جهود وخطط الدولة و يستشري في المجتمع لشكل مهول ويكاد يطبق عليه و يصل بنا إلى حالة اللاعودة.

ما حدث أمس تزامنا مع طقس عاشوراء ليس إلا مثالا جزئيا وراء خارطة كبيرة من العنف تبدأ بالبيوتات وتصل إلى العنف المادي كجرائم القتل والانتحار والتفجيرات والذبح وغيرها.

مغرب 70 و80 و90 لم يكن أبدا مغرب عنف. كانت الجريمة معزولة ومحكومة بمحيطها. في الغالب كان تفسيرها منطقي فلكل جريمة سبب منطقي يؤدي إليها أوتوماتيكيا. فالسرقة كانت بسبب الحاجة والفقر، والزنا أو الفساد كان لعدم القدرة على الزواج أو لقلة النساء الممارسات للجنس، والرشوة كانت في الحالات المستعصية وغيرها.

المهم كان لكل جريمة سببا مقنعا ومقنعا قانونا ومنطقا.

ما يحدث اليوم يصعب تفسيره، فكثير من الجرائم لا تفسير منطقي لها، وقد يكون لها تفسير غير مباشر وليس من طبيعتها.

فعدد من الجرائم تفسيرها يقع ضمن نطاق آخر مختلف، وهكذا تتحمل التربية والتنشئة ونموذج القيم مسؤولية كبيرة في خارطة العنف التي تتمدد.

بخصوص تفجير المفرقعات احتفاء بعاشوراء والذي تحول إلى عنف ضد رجال الأمن لا يمكن أولا تحديد تفسيره منطقيا برده الى سبب منطقي كالفقر أو الجوع أو الحكرة أو الظلم، كما لا يمكن تركه دون تأطير فكري وقانوني.

الذي حدث أمس يفسر انفراط عقد القيم بالمغرب وعقد الشخصية المغربية الهادئة والمشتبكة بأصالتها، فالمبالغ التي تشترى بها المفرقعات كبيرة ولا تعكس فعلا وضعا ماديا متدهورا، والنية في الفوضى وتجاوز القانون حاضرة بشكل واضح.

إن الغائب هنا بالضبط في الإطارات المرجعية للتنشئة الاجتماعية، فالاطارات التقليدية كالأسرة والمدرسة والمسجد والإعلام يبدو أنه يتم تجاوزها، ثم أن مضمونها لم تعد له فعالية حقيقية على سلوك الأفراد.

لهذا أصبح من الضروري إطلاق شكل جديد من المحتويات في قنوات التنشئة الاجتماعية هاته لتستطيع امتصاص كتلة العنف التي تخترق الأجيال الجديدة وتؤدي بالمجتمع إلى متاهات الانحدار والانهيار الأخلاقي.

نظن أن إعادة تقييم خطة القيم الكلاسيكية أصبحت مهمة وضرورية، ونظن أن البداية ستكون من المدرسة والمسجد.

إن تلقيح هاتين المؤسستين بمزيد من القيم الكونية وحد معقول من البراغماتية سيجعل الفروق بين ما هو نظري وأخلاقي وما هو عملي وسلوك تتراجع وتقل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *