قلم: أحمد الدافري

مارست مهنة التدريس في التعليم الثانوي التأهيلي، ثم في التعليم العالي، لمدة تفوق ثلاثة عقود.. تجربتي في هذا المجال أعطتني تصورا عن هذه المهنة، التي ربما سيختلف معي البعض إن قلت بأنها مهنة مثل باقي المهن، عِلماً أنه لا امتياز لمهنة عن أخرى، سوى بما يقدمه ممتهنوها من مردودية مقابل تعويض مالي يحصلون عليه، ويتدبرون به أمور عيشهم..

مهنة التعليم بالنسبة إلي، بعيدا عن القداسة التي ربما يسبغها عليها البعض، هي مهنة تقوم على عملية دقيقة.. هذه العملية هي تلقين الناس ما تم تلقينه لنا.. وهي مهنة تقنية، تحتاج إلى مهارات تواصلية، وكفاءة في إيصال المعلومة، وقدرات في ضبط العلاقات داخل المجموعة.. وليس كل من يعلم شيئا، لديه القدرة على أن يعلّم هذه الأشياء للآخرين.. وهنا تحضر في ذهني، صور بعض الأساتذة الذين كانوا يجذبونني إلى المواد التي كانوا يدرسونها لي عندما كنت تلميذا في الابتدائي والثانوي، أو طالبا في التعليم العالي، بينما كان آخرون يفشلون في ذلك..

الأستاذ الذي يمارس التعليم، كائن آدمي يمارس مهنة.. قد ينجح وقد يفشل فيها.. قد يصيب وقد يخطئ أثناء أدائه لها. وقد يمارسها عن حب وعشق، أو قد يجد نفسه مضطرا لممارستها لأن ظروفا ما، ساقته إلى ذلك، بينما كان في مرحلة ما من تكوينه يحلم بممارسة مهنة أخرى.. ولعل الخصام الذي يحدث حاليا بين ممارسي مهنة التعليم، وبين أشخاص آخرين يرون أن هذه المهنة يوجد فيها من يفسدها، هو خصام ناتج عن سوء تفاهم، وأفضّل هنا أن أستعمل عبارة “سوء تفاهم” بدل استعمال عبارة “سوء فهم”، تجنبا للدخول في خصام آخر لا قٍبل لي به، بحكم أنني أوثر على نفسي الاستقالة من أي مجال يسوده خلل في الفهم والتفاهم، وتغلب عليه الأنا والتمركز حول الذات، وتسوده العجرفة والتبجح والشطط والتجبر..

ولعل ما نحتاجه في هذه الظروف التي نشهد فيها كلنا توترا داخليا واحتقانا خارجيا، ليس هو التنابز والتشاجر، و”المعيور ” بين هذا وذاك.. بل ما أرى، في نظري البسيط، أنه يُعوّل علينا أن ننهجه، هو أن كل من يمارس منا عملا، الأجدى أن يحبه ويتقنه ويبحث دوما عن كيفية تطويره، سواء كان هذا العمل مرتبطا بمجال التعليم، أو الصحافة، أو الطب، أو التجارة، أو الإدارة، أو المحاماة، أو السياسة، أو الأمن، وغيرها من مجالات الحياة.. أما تقنيات الصراع والسب و”الدباز”، فنحن فالحون فيها منذ طفولتنا، بحكم أن في دواخلنا كلنا طاقة شريرة، تتصارع مع طاقة الخير التي نأمل أن تكون هي الغالبة في آخر المعارك التي نخوضها في الحياة، قبل أن ينتهي دورنا في هذا الوجود، وننسحب منه بهدوء.. وهذا ما كان.

*كاتب صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *