مصطفى لمودن
عندما انتقلت من العالم البدوي إلى المدينة للعيش والدراسة سنة 1978، قضيت سنة قبل أن أتأقلم مع الوضع الجديد وأفرض ذاتي بين الأقران..
لم يكن لي شيء أباهي به، كل شيء على قد الحال!! شيء واحد متاح، هو التفوق الدراسي.. بذلك فقط يمكن فرض احترام الآخرين..
ما أثار انتباهي في أول سنة دراسية بالإعدادية، هو سماعي تلميذا في مستوى أعلى، ربما السنة الثالثة أو الرابعة، يحكي بتفصيل مراحل الحرب العالمية الثانية، وكأنه يسرد حكاية حفظها على ظهر قلب..
يذكر الأحداث والمواقع والتاريخ وقياد الجيوش..
عجيب! كيف لهذا الفتى يعلم ما لا يعلمه آخرون؟ بل كيف له أن يحكي ذلك ويأخذ الأسماع إليه؟
لا أحد يستطيع أن يجادله في صحة المعلومات. وأصلا لم تخطر في بالي هذه الفكرة.. بقيت منبهرا..
لكن بعد مدة، سأكتشف السر..
إن ذلك يتأتى من القراءة.. ثم من قوة الذاكرة.. وبذلك انكببت على التهام الكتب والمجلات التي أستطيع الوصول إليها.
ووجدت نفسي يوما أحكي لبعض زملائي قصصا مثيرة عما قرأته حول الفضاء والصحون الطائرة وما كان يقال عن الموضوع من “خرافات” في ذلك الزمن..
لم يعد يهمني المقرر الدراسي، ولا أعطيه قيمة كبيرة.. لا أذاكر كثيرا، وكنت أكره الحفظ.
لكن كانت لي طرقي الخاصة كي لا ينفلت الوضع مني.. كنت أطالع الدروس من خلال الكتب المدرسية قبل اللقاء بالأساتذة.. وبذلك كنت أقارن بين دروسهم وما في تلك الكتب. بل وأتقدم بأسئلة حول ما لم أستوعبه من قبل..
حصلت على تقدير بعض الأساتذة، حتى أن أحدهم “استقطبني” لأكون بين تلاميذه أثناء زيارة مفتش له..
أكملت مشوار الإعدادي بتفوق، ونلت الدرجة الأولى أنا القادم من البادية.. وحصلت على جائزة معتبرة، وهي المشاركة لأول مرة في مخيم صيفي على حساب إحدى الجمعيات..
لكن تجري الأيام بما لا تشتهي الأنفس..
وكان الفقر واليتم في المنعطف ينتظران عند نهاية التعليم الثانوي..
فلا يستهن أحد بالقراءة..
*كاتب وفاعل مدني