بقلم: أحمد الدافري (كاتب رأي وناقد سينمائي)

“صباح الخير..
السيد سعد الدين العثماني رئيس الحكومة.. لا أحد يمكن أن يجادل في أن مكانتكم السياسية تقتضي أن تحظوا بكل التقدير والاحترام، وتضمن لكم صفة المواطنة التي تتمتعون بها حقوقا وواجبات.. وحقوقكم السيد الرئيس تنالونها كاملة من الدولة المغربية التي تمنحكم راتبكم الشهري وتعويضاتكم عن المهام الني تقومون بها. ولا أعتقد أنكم إن شعرتم يوما بإنهاك أو تعب بسبب الإرهاق ولم تلتحقوا بمكتبكم سيتجرأ أحد ما على الاقتراب من راتبكم وسيبادر بالاقتطاع منه قدرا من المال بسبب التغيب عن العمل.. ومقابل حقوقكم المادية والأخرى المعنوية التي تتمثل في ضرورة التعامل معكم باحترام وفق ما يفرضه وضعكم الاعتباري السامي في المجتمع، وبناء على الصلاحيات الدستورية التي تتوفرون عليها، لديكم السيد الرئيس واجبات والتزامات إزاء المواطنين المغاربة الذين تقررون في مصائرهم وتُدبرون أمورهم،.. وإن أول هذه الواجبات هي السهر على راحتهم، وتيسير أمور حياتهم، وعدم إزعاجهم، ومخاطبتهم بطريقة يمكن أن يفهموا من خلالها تعليماتكم ومقاصدكم ومراميكم، كي يستطيعوا تقييم أدائكم.

لكن يبدو السيد الرئيس أنكم عجزتم عن الوفاء بالتزاماتكم إزاء المواطنين، الذين تُستثنى منهم الفئة المرتبطة معكم بروابط الانتماء الحزبي، والتي تسعى دوما إلى تبرير كل فشل في واجباتكم بإرجاعه إلى جهل الشعب وعدم انضباطه، أو إلى سلطة التماسيح والعفاريت ومؤامراتها.

سيدي الرئيس المحترم.. لقد بنيتم مجدكم السياسي على الخطاب الديني واستثمرتم الجهد في ترسيخ هذا الخطاب داخل المجتمع منذ اكثر من أربعين سنة عن طريق جمعيات وحركات ترفع شعار تطبيق الشريعة الإسلامية حسب منظوركم الخاص لهذه الشريعة، وتمكنتم من استغلال المناخ السياسي الذي فرضته ضرورة الانفتاح على الحركات الإسلامية في المغرب في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، وأدمجتم حركتكم الإسلامية داخل حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية وأسستم حزبكم العدالة والتنمية، وقد كنتم دائما السيد الرئيس أحد القادة الكبار في هذا الحزب، حيث كنتم نائبا لأمينه العام ثم ترأستم مجلسه الوطني وبعدها أصبحتم أمينه العام، واستطعتم من خلال ارتباطكم بحركة التوحيد والإصلاح الإسلامية وحزبكم المتفرع عنها أن تصلوا إلى البرلمان لخمس ولايات متتالية بتمثيلكم لعدد من الدوائر الانتخابية في مدن مغربية مختلفة.. وكل هذه الاستحقاقات السيد الرئيس ما كان من الممكن أن تنجحوا فيها لولا الثقة التي وضعتها فيكم فئة كبيرة من المواطنين المغاربة، بعد أن اقتنعت أن خطاباتكم التي تستمد عناصرها من الدين الإسلامي الحنيف ستمكتكم من بلورة مشاريع عملية قادرة على الارتقاء بمستوى الحياة الاجتماعية، وعلى تحقيق الرفاهية الاقتصادية، وتلبية حاجيات المواطنين على جميع المستويات.. غير أن وصولكم السيد الرئيس إلى السلطة، وتمكنكم من بلوغ مأربكم السياسي، لم يفِ بالمطلوب من حيث الواجبات التي من المفروض أن نقوموا بها إزاء المواطنين، ومن بينها واجب استقرار الصحة النفسية للناس التي أنتم متخصصون فيها بحكم تكوينكم العلمي، حيث يعيش المغاربة في فزع يومي خوفا من إصدار قرار جديد في آخر لحظة، وواجب الحفاظ على التماسك الأسري حيث حدثت الكثير من الشروخ داخل عدد من الأسر المغربية بسبب سوء تدبير المشاكل التي عانى منها المغاربة العالقون في الخارج، وواجب مخاطبة الناس بمنطق سليم، حيث لم يعد يفهم الناس توجيهاتكم وخطاباتكم، إذ توضحون لهم مثلا في بداية انتشار الوباء بأنه لا خوف من الفيروس لأنه عبارة عن زكام عادي، ثم تفرضون على الناس حجرا صحيا طويل المدى، وتفهمونهم بأن الكمامة ليست ضرورية إلا بالنسبة إلى المصابين، ثم تصبح إلزامية للجميع، وتطلبون منهم بعد رفع الحجر الصحي أن يساهموا في تنشيط السياحة الداخلية وتطمئنوهم بأن الفنادق قد أصبحت مفتوحة أمامهم بطاقتها الاسنيعابية الكلية، وحين يعملون بتوجيهاتكم السيد الرئيس ويسافرون لقضاء العطلة من أجل تنشيط السياحة الداخلية تأمرونهم بالعودة إلى مدنهم في ظرف لا يتجاوز ست ساعات وإلا سيصبحون عالقين في مدن غير مدنهم، وتخبرونهم بأن الحكومة اتخذت كل التدابير كي يكون الاحتفال بعيد الأضحى في أجواء سليمة من الناحية الصحية، لكنكم لا تستطيعون أن تنظموا الأسواق في القرى والبوادي التي يختلط فيها الحابل بالنابل ويندثر فيها كليا مفهوم التباعد الجسدي، وتحملون الناس مسؤولية الفوضى والارتباك والاضطراب في هذه الأسواق، وكأن قراراتكم وأسلوب تدبيركم للحياة اليومية للمغاربة لا تتخللها أي فوضى أو ارتباك أو اضطراب، وزاد مدير الإعلام في مكتبكم صب الماء في التراب حتى أصبح وحلا وهو يقول للناس بأنهم هم المسؤولون عن الفوضى التي حدثت في الطرقات مساء يوم الأحد الماضي، وأنه لن يحدث لهم أي مكروه إن لم يحتفلوا بالعيد رفقة أفراد عائلاتهم، وهو تصريح موغل في الغرابة، نفهم منه أنه لن يحدث أي مكروه نفسي لأب إن لم يحتفل بعيد الأضحى رفقة أبنائه، رغم أنكم السيد الرئيس تعرفون ما يمثل هذا العيد في الثقافة الإسلامية التي ما فتئتم ترسخونها في المجتمع بمحاضراتكم وندواتكم ودعواتكم..

السيد رئيس الحكومة… عندما تم اختياركم كي تكونوا رئيسا للحكومة، استبشرت خيرا، وقلتها هنا في هذه الصفحة بصراحة.. فقد كنت أرى فيكم أحكم حكماء حزبكم، وأكثرهم قدرة على تدبير شؤون المغاربة، وأكثرهم كفاءة على مستوى التواصل مع المواطنين… لكني الآن، أقولها لكم بكل أسف السيد الرئيس. خاب ظني فيكم، وأعبّر لكم عن انزعاجي الشديد من طريقة تسييركم لهذا البلد الذي أعتز بانتمائي إليه مثل كل المغاربة الأحرار الذين يتوقون لتغيير الأوضاع نحو الأحسن…. وهذا ما كان”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *