تأخذكم الجريدة الالكترونية LE12.MA، خلال الشهر الفضيل في رحلة عبر الزمان لأكتشاف تاريخ المغاربة مع الأوبئة والقحوط، وكيف واجه الأجداد الوباء والبلاء، ودلك من خلال كتابات كتاب مغاربة أعادوا كتابة جزء من تاريخنا.  والبداية مع الكاتب المتخصص في تاريخ المغرب الموساوي العجلاوي.

د. الموساوي العجلاوي

الهزات التي تطرأ بين الحين والآخر في أي مجتمع، تقاس بها متانة مؤسسات الدولة والمجتمع على السواء في مواجهة الأزمات.

 وإذا عرفت مؤسسات الدولة استمرارية في تاريخ المغرب، فإن تفاعل المجتمع المغربي مع ظاهرة الأوبئة قد اختلف بمقدار اختلاف الظروف السياسية، من حيث تقاطع الوباء مع ضعف السلطة المركزية أو قوتها، وبارتباط الأوبئة والأمراض بالقحوط والمجاعات. وتحتضن الخزانة المغربية متونا عديدة ومتنوعة، سواء من حيث تعرضها للأمراض والأوبئة بطريقة مباشرة، أو بطريقة غير مباشرة.

وبحكم موقع المغرب من القارة الأوربية، وظفت الأوبئة من لدن بعض الدول الأوربية لممارسة ضغوط، تيسيرا لحصولها على منافع، ولتمتين تسربها إلى المغرب خاصة في الموانئ.

الأوبئة في الكتابات

في تاريخ المغرب كان اسم الوباء شاملا للأمراض الطارئة أو المزمنة، وظهرت معلومات عن الأوبئة منذ بدايات التأريخ للحقبة الإسلامية، كانت الإشارات الأولى المباشرة، إلى وباء وقع العام 540 و541 هـ/ 1145-1146م، وهو زمن انتقال السلطة من المرابطين إلى الموحدين، خاصة فيما نشره:

D.S.، Goitein عن وثائق الجنيزة في كتابه : A Mediterranean society، الجزأين الأول1967 والثاني 1971

وفي هذين الجزأين معلومات عن حياة وموت التجار اليهود، الذين كانوا ينتقلون بين المغرب والأندلس وفي اتجاه تونس ومصر. وكلما زادت التآليف التاريخية والنوازل، وكتب الرحلات والجغرافية، والتراجم، وكتب الطب والأغذية، والكيمياء، ارتفعت معها نسبة المعلومات عن الأوبئة التي ارتبطت غالبا بالقحوط والمجاعات والجوائح بكل أشكالها، وكان يعني هذا أيضا انحباس المطر وضعف الإنتاج الفلاحي. ويمكن اعتبار هذه الكتابات المتنوعة والمتعددة نموذجا لمساهمات النخب العالمة في مواجهة الأوبئة التي عمت بالمغرب.

عرفت جل عهود التاريخ المغربي أوبئة، ويمكن إجمالها في: ثلاث فترات للأوبئة في القرن الثالث عشر والرابع عشر للميلاد، وثلاث في القرن السابع عشر، واثنتين في القرن الثامن عشر، وثلاث في القرن التاسع عشر، مع تقطع أو امتداد داخل كل فترة، الشيء الذي يرفع عدد انتشار الأوبئة إلى أكثر من ذلك. وتتحدث المصادر التاريخية عن أمراض أخرى كالزكام والسعال، والتيفوس (التفويد)، خاصة في القرنين 16 و17 للميلاد.

وإذ نصت الوثائق، خاصة ما ارتبط بالعلاقات مع أوربا في القرون الأخيرة، على دور النقل البحري في نقل الأوبئة إلى المغرب، فإن مخطوطا قديما يكشف ازدهار التنقل بين مراسي المغرب والأندلس باتجاه موانئ إفريقية ومصر منذ القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، ويتعلق الأمر ب “كتاب أكرية السفن” لصاحبه محمد بن عمر بن يوسف الكناني، المتوفى سنة 310 هـ/922 م.

 وهذا التأليف يكشف ارتباط الموانئ المغربية بمثيلاتها في البحر الأبيض المتوسط، أي إمكانية تسرب عدوى الأوبئة التي انتشرت قديما إلى عمق المغرب عن طريق الموانئ. بيد أنه ابتداء من القرن التاسع عشر، أثارت المواصلات البحرية لنقل الحجاج من وإلى المغرب ضغوط الدول الأوربية حول ما عرف في تاريخ المغرب بالحجر الصحي في الموانئ المغربية، كما تكشف عن ذلك وثائق كثيرة.

يتبع.

 الكاتب في سطور

د. الموساوي العجلاوي، أستاذ سابق بمعهد للدراسات الأفريقية جامعة محمد الخامس بالرباط. حاليا باحث في مركز إفريقيا والشرق الأوسط للدراسات (AMES Center) الرباط. مجال البحث التاريخ الراهن والدراسات الجيوسياسية لمجال الساحل والصحراء، متخصص في القضايا الأفريقية، وخبير دولي ومحلل سياسي لدى مؤسسات وطنية ودولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *