اتخذ المغرب قرارين مهمين، الأول أن وزارة الصحة قررت إعطاء عقار الكلوروكين للمخالطين للمرضى حتى قبل إجراء التحاليل المخبرية لهم، والثاني هو تمديد حالة الطوارئ الصحية لشهر إضافي، مما يعني أن الخروج لن يكون قبل ليلة القدر.

أعتقد أن فترة التساهل واستعطاف المواطنين لكي يدخلوا مساكنهم قد انتهت وستبدأ مرحلة تكون فيها الجدية والصرامة سيدة الموقف.

لأنه يبدو أن هناك فئة من الناس لا ينفع معها النصح ولا الإستعطاف بل ما تفهمه هو لغة الصرامة والتشدد.

أمامنا شهر حاسم ومصيري، إما أن المغرب سيقضي على الفيروس وإما أننا سنكون تحت رحمته، ويبدو لي أن الدولة مجندة وعازمة بشكل صارم على ربح هذه الحرب، مهما كلف الثمن.

لابد أن المغاربة لاحظوا ارتفاعا في عدد المتعافين مقارنة بالسابق، وهذا في حد ذاته انتصار صغير على الفيروس بفضل البروتوكول العلاجي بعقار الكرولوكين.

قبل يومين قال ديديي راؤولت، الدكتور الشهير، أن فيروس كورونا آخذ في الإنحسار في مدينة مارسيليا، وأنه مقابل 368 حالة كان يستقبلها في المستشفى الذي يديره لم يعد يستقبل اليوم أكثر من 80 حالة، ولذلك فهو يتوقع أن يختفي الفيروس مع نهاية فصل الربيع.

هذا التصريح لم يرق الوكالة الرسمية الجهوية للصحة فخرجت بتصريح تقول فيه أنه فعلًا هناك تراجع في أعداد الإصابات لكنه من السابق لأوانه إعطاء أرقام مضبوطة لأنهم مازالوا لا يعرفون شيئًا.

وإذا كان بيروقراطيو باريس لا يعرفون شيئًا بعد فإن الدكتور راؤولت يعرف شيئًا واحدًا على الأقل، وهو أنه من بين 3000 مصاب بكورونا تم استقبالهم في المستشفى الذي يديره تم علاج 2600 منهم بعقار ليدروكلوروكين عاشوا جميعًا إلا عشرة مصابين منهم ماتوا، بمعنى أن نسبة الوفيات في هذا المستشفى لم تتعد 0,5 بالمائة، وهي النسبة الأقل في العالم بأسره.

ماكرون الذين زار الدكتور راؤولت رغمًا عن أنفه ومكث في مستشفاه ثلاث ساعات واكتشف أن معظم الأطباء والباحثين العاملين فيه أفارقة وعرب، لم يجد ما يقوله على أمواج RFI سوى أن الدكتور راؤولت عالم كبير، قبل أن يضيف أنه يجب دراسة بروتوكول الدكتور العلاجي راؤولت مع تحري الدقة والحذر العلمي.

في المغرب انتبهت السلطات الصحية مبكرا لهذا العلاج وذهبت إلى حد وضع اليد على كل احتياطي الشركة التي تصنعه بالدار البيضاء، وشرعت تعالج به المصابين.

وقبل أيام طالب الدكتور شكيب العراقي وهو طبيب متخصص في أمراض الرئة والأمراض التنفسية باعتماد علاج كل مصاب بأعراض الزكام مع علاج كل الأشخاص المحيطين به بعقار كلوروكين وسولفات ديدروكسي كلوروكين، وتكلفة هذا العلاج لن تتعدى 100 درهم لكل مريض.

اقترح الدكتور العراقي أن لا يتم اللجوء للفحص بالأشعة وبقية الفحوصات لان ذلك مكلف ويكفي أن تظهر أعراض الإنفلونزا على شخص ما حتى يكون بمستطاعه أن يزور طبيبا متخصصا في أمراض الجهاز التنفسي لكي يصف له العلاج الذي لا يدوم أكثر من عشرة أيام، خصوصًا الأطباء المتخصصين في أمراض السل والأمراض الوبائية.

ويركز الدكتور على ضرورة علاج المريض ومحيطه مثلما يحدث مع مرضى السل، حيث يعطى الدواء للمريض ويعالج محيطه العائلي أيضا.

في البدء لم تلقى مبادرة الطبيب تجاوبًا سريعًا، لكن ما هي إلا أيام حتى قررت وزارة الصحة إشراك المستشفيات والعيادات الخاصة في الكشف عن المصابين وعلاجهم، وقبل أيام قررت إعطاء الكلوروكين للمخالطين للمرضى حتى قبل إجراء التحاليل المخبرية لهم، وهذا ما طالب به الدكتور العراقي قبل أسبوعين.

ولهذا يمكن أن نلاحظ أن من خلال أرقام الوزارة أن هناك تراجعا لحالات الوفيات وارتفاعا لحالات الشفاء.

وشخصيا أستغرب كيف لا يوجد هذا الدكتور ضمن اللجنة الصحية المشرفة على تدبير مواجهة جائحة كورونا بالمغرب، فنصائح وتوجيهات مثل هؤلاء الأطباء ذوي النظرة البعيدة هي ما نحتاج إليه اليوم لربح هذه الحرب.

وشخصيا منذ بدأت هذه الجائحة وظهور العلاج الذي اقترحه الدكتور راؤولت، وأنا أتابع خرجاته المدوية التي يدافع فيها عن علاجه بالأرقام وأتابع ردود خصومه الباريسيين الذين يتمسكون بضرورة تحليل البحوث قبل اعتماد العلاج، بينما يموت المئات كل يوم.

شخصيا أرى صراع هذا الدكتور الفرنسي الذي ولد في أفريقيا ويدير مستشفى ومركزا للبحث العلمي بمارسيليا مع أطباء لوبي باريس التابع للكيدورساي صراعا بين لامارساييز بما ترمز إليه من نشيد ثوري صاعد من مدينة مارسيليا وبين قلعة لاباستييل التي كانت تحمي بورجوازية باريس والتي تحولت إلى سجن للثوار والمحرضين ضد دولة الفيوداليين الباريسيين.

لذلك لا تريد باريس الإعتراف به ولا بعقاره الذي أنقذ الآلاف في مارسيليا وفي بلدان كثيرة منها المغرب.

وإذا كان الدكتور راؤولت يرى أن فيروس كورونا سينحسر تلقائيًا مع بداية الربيع فإن الملياردير الأمريكي، بيل غيتس، يرى أن الحل الوحيد للقضاء على الفيروس هو اكتشاف لقاح، ويضيف إن تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا المستجد خلال 18 شهرا أمر ممكن، لكنه يتطلب تقديم تنازلات، منها ما يتعلق باختبارات السلامة.

بمعنى أن الهيئات الرقابية يجب أن تغض الطرف عن الأعراض الجانبية التي يمكن أن يتسبب فيها اللقاح نتيجة عدم أخذ الوقت اللازم لتجريبه، وأن لا تتشدد في منح تراخيص الإنتاج.

هنا نرى الفرق بين الطبيب الزاهد الذي يفكر في إنقاذ أرواح البشر وبين الملياردير الذي يفكر في إنتاج لقاح وبيع المليارات من الجرعات للقارات الخمس.

انقلاب الأدوار هذا يذكرني بواقعة ترجمها الأستاذ الصديق أحمد حرمة حدثت في قرية صغيرة بولاية تكساس الأمريكيّة، حين قرَّر رجلُ أعمال أن يفتح خمارةً بجانب كنيسة، فشرع رُوَّادُ الكنيسة في حملةً ضدَّ الخمارة وصاحبِها بدأت بالشكايات إلى البلدية، وانتهت بالدُّعاء على الخمَّارة كلَّ ليلةٍ في الكنيسة.

وعندما أوشكت أعمال بناء الخمارة على الانتهاء ضربت الصاعقةُ مبنى الحانة فدكّته دكّا.

فقام صاحب الخمَّارة ورفع دعوى قضائية ضدَّ الكنيسة وأعضائها، وطالب بـمليوني دولار على أساس أن الكنيسة بدعائها كانت مسؤولةً عنْ زوال استثمَاِره بوسائل مباشرة أو غير مباشرة.

في المحكمة، أنكرتْ الكنيسةُ بشدَّة كلَّ مسؤولية، ونفَتْ كلَّ علاقةٍ بين صلواتها وزوال الحانة، مستدِلّةً بدراسة للأستاذ بينسون (Dr. Herbert Benson) من جامعة هارفارد التي أكّدتْ أنّ لا تأثير للصّلاة والدّعاء على مُجْرياتِ أُمور الدُّنيا.

نظرَ القاضي في الأمر، وأثناء التصريح بالحكم قال:

“لا أعرف كيْفَ سأحْكُمُ في هذه القضية، ولكن يبدو من أوراق القضية أنَّ لديْنا صاحب خمارة يؤمن بقوَّة الصّلاة والدُّعاء، وفي مقابله لدينا مجْمعًا كنيسيًا لا يُؤْمن به”.

وهكذا فعندما يصبح صاحب الخمارة أكثر دفاعا عن الدين من رجل الدين نفسه فاعلم أن قوانين الكون اختلت بالفعل.

 

رشيد نيني

ينشر بموافقة الكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *