محمد سليكي

 إستفاق المغاربة صباح اليوم الخميس، على صدمة إعلان أثقل حصيلة إصابات مؤكدة بفيروس كورونا، مند ظهور هذا الوباء اللعين بالمغرب مطلع شهر مارس المنصرم، وعلى بعد أربعة أيام فقط من إنتهاء فترة الحجر الصحي، التي فرضتها السلطات بداية شهر أبريل الجاري.

لقد أعلنت وزارة الصحة، صباح هذا اليوم الحزين، تسجيل 227 حالة إصابة مؤكدة جديدة بفيروس كورونا المستجد، فضلا عن 18حالة شفاء جديدة، وحالة وفاة واحدة، في 24 ساعة الأخيرة، فيما بلغ مجموع عدد المصابين بالمغرب 2251 حالة مؤكدة بفيروس كورونا المستجد.

أولى الخلاصات المستنتجة من رقم 227 المفزع، هو وجود خروقات مفترضة للحجر الصحي ومخالطات لحاملي الفيروس، غير تلك التي ضبتطها السلطات العمومية، أو التي تلك المعلن عنها في البلاغات الرسمية..

 خروقات، منفلتة من الضبط الأمني والحجر الصحي، ليس لغياب الأمن أو تقاعس السلطات، أو تراخي الدولة، أو ضعف المجهود الوطني في محاصرة الوباء وملاحقة المخالفين،.. ولكن بسب الجهل..

نعم الجهل، الذي إستشرى في المجتمع منذ عقود، وكرسته سياسات تجهيل على عهد حكومات متعاقبة، كان آخر همها هو بناء الإنسان المغربي.. وكذلك الجشع، جشع الشركات المتوحشة.. ممن إستدعت عمالها للعمل في ذروة إنتشار الفيروس بين الناس.

 لقد أظهرت جائحة كورونا، مدى غرق المجتمع في أنواع وأشكال من الجهل، وعدم الوعي، تهدد من حيث ندرى أو لا ندري، المجهود الوطني في مكافحة الوباء، ولعل الإعلان اليوم عن تسجل 227 حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا، يجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا.. ونعيد الحسابات..

فبعد الجهل بالعلم بالشيء، الذي سرعان ما يتجاوزه المرء بالتوعية والتحسيس، وإنعدام الوعي الذي لا يعني الأمية، وجد المغرب نفسه أمام فئة عريضة من المغاربة ضحايا سياسات متعاقبة، أفرزت اليوم جهالات كالتي ظهرت في سيدي البرنوصي بالدار البيضاء وهي ترمي السلطات من فوق الأسطح بالحجارة، أو تلك التي خرجت في حي البساتين في القنيطرة، متمردة على أحكام الطوارئ والاعتداء على قائد بـ”فراكة”، أو تلك التي تلعب لعبة “القط والفأر” مع السلطات، في الأزقة والحواري.. وتستغل رخصة التنقل في :”خيطي بيطي” دون ضرورة ملحة.

قصتنا مع مظاهر الجهل و الجهالات، ليست وليدة اليوم، فيكفي الاحالة ما كنا نرصده عند دخول جماهير الكرة  إلى الملاعب أو ركوب مواطنين في الحافلات، لكن مع طوارئ كورونا، تعرت الحقيقة، وإنكشفت أعطاب المجتمع.

 لذلك يبدو أن المغرب لم يقف خلال هاته المحنة، أمام تحقق تنبؤات العالم المستقبلي الراحل المهدي المنجرة عندما كان يقول دون أن تنصت إليه السلطة، بأن سلاح العلم والمعرفة ودعم الاختراعات والابتكارات الطريق الصحيح لكسب حروب المستقبل، بقدر ما نجده قد وقف كذلك، عند تحقق تحذير رائد السوسيولوجيا الراحل محمد جسوس، من إنتاج “جيل الضباع”..

إننا اليوم نكاد نكون أمام “جيل الضباع” مع ما للكلمة من دلالة مجازية وثقل سوسيولوجي، تعبر عما فعله الجهل والتجيهل بالمجتمع، حتى صرنا أمام جهالات، أعود وأقول إنها ضحية سياسيات متعاقبة، وصراع غبي لقوى سياسية مع الدولة منحها شرعية تجميع السلط في محطة من محطات تاريخ البلاد، فكان أن أدى المجتمع الفاتورة، وحصدت الأجيال المتلاحقة غلة ما كشفت عنه محنة كورونا من أعطاب..

 وأعتقد أن ما خفي كان أعظم، من جهل أسود عشش في عقول قطيع الإسلام السياسي، منه ما ظهر يكبر فوق الأسطح، ويمشي عنوة في الشوارع.. والترويج للصوم والقرفة لمواجهة فيروس قاتل حير العلماء والحكومات..

إن تسجيل 227 حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا صباح يوم الخميس المفزع، عليه أن يطلق يد الدولة في إتخاذ ما تراه ملائما لجبر المواطن على الحجر، ومحاربة مظاهر الجهل، من أجل الإنتصار على عدو لا يرى في حرب فرضت علينا.. لأن الحفاظ على أرواح المغاربة مقدمة عن كل شيء..

أما الجهل والتجهيل، فلا أعتقد أن عقل الدولة، ما بعد جائحة كورونا، سيبقى رهين كليشيهات الماضي، في نظرته إلى هاته الظاهرة في المجتمع.. و إلا ستكون التكلفة كبيرة أكثر مما كشفته محنة يدبرها المغرب على نحو أضحت تجربته مطلوبة إفريقيا، ومحط تقدير عالميا..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *