عرجنا على الطريق الذي يقود إلى”المهدية”.
ولم تكن الوجهة “بحيرة بوغابة” بل شاطئ البلدة.
*طلحة جبريل
منذ سنوات لم أشاهد الطريق بين الرباط والقنيطرة، إذ تحولت إلى سنجاب قطارات منذ أكثر من عقد.
الانطباع الأول أن “غابات الأسمنت” أي البنايات انتشرت في خط متصل.
بعض البنايات استهلكها الإهمال وتركها في مكانها وخارج زمانها، تماماً مثل البشر عندما تمضي الحوادث ولا تترك لهم سوى ذكريات في دواخلهم وعلى السطح تراب وصدأ.
هناك فيلات في غاية الأناقة، بعضها تحولت إلى حدائق معلقة. خاصة في “حي شماعو”.
سمعت أن صحافيين كثر انتقلوا للسكن في حي”سعيد حجي”المجاور له.
خمنت أن بعض أعضاء قبيلة المهنة اختاروا الحي لأن الأسعار في المتناول وسمته الهدوء.
ليت أحد زميلات وزملاء المهنة يشرحون أكثر.
عرجنا على الطريق الذي يقود إلى”المهدية”.
ولم تكن الوجهة “بحيرة بوغابة” بل شاطئ البلدة.
ما يلفت الانتباه أن الواجهة المطلة على البحر ازدحمت بالمطاعم والمقاهي، بين كل مقهى ومقهى، هناك مقهى.
هؤلاء الناس الذين نطلق عليهم صفة “المصطافين” يتمشون على الرصيف بملابس صيفية بل وحتى ملابس السباحة، غير عابئين. إذ ذلك في الصيف متاح ومباح.
تعجبت كثيراً على لافتة من قماش مكتوب عليه “ندعوكم للقاء ثقافي في هذا العنوان: … ” .
ياترى ما المقصود بعبارة “لقاء ثقافي” إذ الثقافة كلمة واسعة سعة بحر المهدية.
أي نشاط يدخل فيه التفكير أو الذوق والتذوق يمكن أن يكون جزء من الثقافة.
بهذا المعني يكون الزي ثقافة والأكل ثقافة والفنون السبعة أي العمارة والموسيقى والرسم والشعر والنحت والرقص والسينما إضافة إلى أب الفنون والمسرح، كلها ثقافة.
كل الآداب ثقافة.
توجهنا إلى حيث سوق السمك لشراء ما تيسر لوجبة غداء تحت خيمة الشواء.
سمة السوق هي الزعيق، نعم زعيق وليس صياحاً، الكل يزعق.
في خيمة الشواء، معظم العاملين لتقديم الخدمة للزبناء نساء يكافحن من أجل لقمة العيش.
بجوار سوق السمك، هناك شاطئ امتلأ بالمصطافين.
وعدد كبير منهم يسبحون، رغم أنف ذلك الذي وضع لافتة كبيرة قبالة الشاطئ مكتوب عليه بلغة رديئة ” ممنوع السباحة. منطقة غير محروسة. خطر الغرق”.
بعد الجولة بدا لي أننا لا نزال نعيش الماضي رهائن لأحلامه وأوهامه وصدماته وصداقاته.
لعله ارتباط الناس بما عاشوه، أو لعله حنينهم إلى ما ألفوه.
أو لأن المتغيرات التي أصابت دنيانا كانت من القوة والعمق بحيث وقفنا أمامها حيارى.
ثم كان سبيلنا الوحيد إلى الراحة والطمأنينة أن نستدير عائدين أو هاربين إلى بعض الأمكنة.
غافلين أن ما كان لم يعد حيث كان، ولم يعد كما كان .
*كاتب /صحفي
