محمد سليكي/هشام الشواش
الحادي والعشرون، من شهر فبراير 2020، يوم من ايّام عدد السنين، قد يكون لدى الكثير من الناس، كباقي الأيام، لكنه عند محمد بنطازوط، ملاكم النادي القنيطري سابقا، الذي قضى وراء القضبان 20 سنة سجنا، ورفض التوقيع على ملتمس طلب العفو مرتين، يعني الشيء الكثير .
فمع بداية طلوع شمس هذا اليوم، سطعت شمس ولادة بنطازوط من جديد، عندما فك قيده، وغادر أسوار “حبس سونطرال” السيء الذكر الواقع غرب مدينته القنيطرة.
بنطازوط، الذي لطالما كان يخلق الحدث بقفاشاته وسط العامة و”حروريته” فوق الحلبة، سيخلق الحدث من جديد..
لقد رفض بنطازوط، يقول مصدر جريدة le12.ma، مغادرة أسوار السجن، بعد إعلان الادارة السجنية نهاية محكوميته، والسبب تشبثه بإعادة التحقيق في اتهامه بالضلوع في مقتل الاستاذ علال القرشي والتمثيل بجثته عام 1998، معتبرا أنه بريئا مما نسب اليه..
ساد إرتباك قبالة البوابة الرئيسة للسجن، حيث يتواجد العشرات من أفراد أسرته وأصدقائه وجيرانه ومعارفه، كما بإدارة السجن.. فيما فرضت القوات العمومية طوقا أمنياً في محيط” حبس سونطرال”…
بيد أن دخول والد و الدة بنطازوط، على خط هذا الحادث، سيدفع بابنهما إلى مغادرة السجن، لكن بشرط:”أن يظهر أمام الناس والصحافة مكبل اليدين بسلسلة حديدة وعلى كتفه راية الوطن”. وكذلك كان..
ظهر بنطازوط، أمام الحشد البشري، وتحول المشهد إلى ما يشبه العرس، وما هو بعرس، والى ما يشبه العزاء، وما هو بعزاء.. انها لحظة اختلطت فيها المشاعر .. وفاضت بالرسائل ..لعل من أبرزها أن بنطازوط تحرر من السجن، ولكنه لم يتحرر من تهمة القتل ..نال الحرية، ولم ينل البراءة.
حصر بنطازوط دموع “الحكرة”، و هو يعانق، الناس، كل الناس، قبل أن يستعيد الأنفاس، ويخر ساجدا حمداً لملك الناس في مشهد أذهل من حضر وأبكى من سئل..
وقف الرجل، ينظر الى الآفاق، هناك، حيث لاسيتي، وطريق المهدية، وكورنيش وادي سبو، وكلها أمنكة وفضاءات، كانت له معها ذكريات الشاب، زمن عشقه الأبدي لنادي “كاك بوكس”.
استعجل بنطازوط، مغادرة محيط “حبس سنطرال”، كهارب من سنوات الضياع، وركب سيارة “بارطنير”، منطلقا دون أن يدير وجه الى باب السجن، ليتوجه وسط كوكبة من السيارات نحو “الخبازات”.. القلب التجاري النابض لمدينته القنيطرة..
اخترق موكب أصدقاء بنطازوط، الزنقة 36 ، حيث محل تجاري لوالده، وجيرانه وأصدقاء الصبا..
وقف الرجل، ينظر الى المكان، بنظارات شريط الماضي القريب، متذكرا الشخوص والأمكنة، والناس يتداولون عليه لتقديم واجب التهاني، بينما عين بنطازوط تنظر الى هناك، هناك، حيث الزقاق، المؤدي إلى مقر سكن “ابوه الروحي”، مدرب الأجيال، البطل الأسطوري، في الملاكمة، محمد الصويفي..
غادر الموكب، الزنقة 36، وتوجه إلى حي “لابيطا” الشعبي في منطقة الساكنية، مرورا بشارع المسيرة الخضراء، حيث توجد “دار الشباب رحال المسكيني”، الشاهدة على تاريخه الرياضي، في ممارسة الفن النبيل.
وصل الموكب، الى “دار بنطازوط”، هكذا ينعثها الجيران، واستقبل “سي محمد”، بالتمر والحليب، وكذلك بالبكاء والنحيب..
ظل بنطازوط، يستقبل الإعلام والزوار، وهو مقيد”اليدين والقدمين”، من طلوع الشمس، الى مغيبها، ليستأذن الالتحاق بنزانته، التي شيدت فوق سطح منزل أبويه، بنفس مواصفات زنزانته في “حبس سنطرال”..قائلا بحسرة:”خرجت من زنزانة ودخلت أخرى..لن أغادرها حتى يعاد التحقيق في قضيتي و أنال براءتي”.